القائمة الرئيسية

الصفحات

 

قصّة "كُراعْ دجاجة"

يبدو أنها مستجابة الدّعاء . اليوم فقط تأكّد أنها "وليّة " ومستجابة "الدّعوة" عيارية "محرحرة "من أصول جزائرية كما قيل له وهي سيّدة في العقد الثالث كانت رفعت ضده شكاية بتعلّة أنّه صفع ابنها "شهاب دعبوج" المرسّم بالسّنة الأولى ابتدائي بالمدرسة التي يديرها

رآها أكثر من مرّة في مدخل ساحة المدرسة تداعب هاتفها الذكي تأتي ومعها لمجة إبنها تقدمّها له في حدود الساعة العاشرة صباحا وتسأله كعادتها " ضربك المعلم؟ " ويبدو أن التلاميذ اخبروها قبل أن يخبرها

"سيدي المدير شد جماعة حالين السّبابل في التوالايت عطاهم طريحة"

لم يكن من طبعه أن يعنف تلاميذه أو أن يدقّق في ملامح السّيدات خاصة أن هندامها الرياضي الذي تأتي به للمدرسة لم يكن لائقا فكان يتحاشي استقبالها أو الحديث معها مع أنه كان يتحدّث مع بقية الأمّهات المحترمات في ما يخصّ أبنائهن والمشاريع التربوية والتنشيطية .

ولم يتفطن أن ذلك كان يحزّ في نفسها الا حين صرّحت بذلك "مشو لاهي بيّ هو " قالتها بميوعة أمام عون البحث ورئيسه الذي يبدو أنه كان متحمسا للقضية أكثر من اللّزوم

في غياب زوجها أحد عمالنا بالخارج تحديدا بألمانيا .

لكن ، ولعل ذلك لفت نظره أكثر أن الشّاكية المدعوة " نورة بو صريريف" حين كانت تجلس أمامه أثناء المكافحة وهي تضع رجلا على أخرى

أن رجليها ليست كبقية الأرجل. بها خلل يبدو أنه ليس خلقي وأنها تشبه إلى حد كبير "كراع الدّجاجة" فقدميها وهي تنتعل" شلاكة "يميل لونها إلي البرص و أصابع قدميها بها اعوجاج و"كُرب" وأظافر قبيحة الى درجة ان "المنكير السينييى" الذي جلبه لها زوجها من الخارج لم يستطع القيام بمهمته التجميلية فظهرت أظافرها وكأنها مخالب "كراع الدّجاجة"

وتذكر أن أمه كانت تتحدث مع أحد اقاربهم جاء يستشيرها في خطبة ابنة جار لهم وقد سمعها تقول له " ما تخوهاش رجلاها كراع دجاجة " "مشى في ظنّه" أن أمه تتحدّث عن "كراع دجاجة "العشبة المعروفة بالاقحوان أو البابونج

واستغرب فهو يعرف أن

هذه النّبته الكافية الشّافية ذات منافعها الطبية وجمالها البسيط والأنيق

من أشهر الأعشاب على الإطلاق، ويكاد لا يخلو بيت منها، فإليها يعود الناس عند الشعور بالألم سواء كان مغصًا أو رشحا أو زكاما أوغيره.

وإن كان الجزء المستخدم من العشبة هو الأزهار المتفتحة فقط، فان سيقانها المعوجة ذات العقل و"الكرب" لذيذة المأكل

وقد يعود سبب التطابق في التسمية بين "كراع الدجاجة "الحقيقة والعشبة سببه الاعوجاج وعدم الاستقامة أما أن كل منهما صالح للاكل فهنا تختلف الاذواق.

ويبدو أن السيد المسؤول عن مكافحة العنف يحبّ أكل "كراع الدجاجة " كحبّه لمقاومه العنف ولم يتمالك نفسه.حيث مال كل الميل الى الشّاكية أمام انكارالمشتكى به أنه عنّف ابنها وإصراره أنه كان يقوم بواجبه التربوي وفق ما تقتضيه المهنة لكن المسؤول

أصر هو الآخر يناصر "السيدة نورة "

وكان عون البحث الذي يبدو أنه لا يحبّ أكل"كراع دجاجة "كان ينظر الي الموضوع باشمئزاز و ينظر الى رئيسه باستغراب وكأنه ينكر عليه انحيازه المكشوف

وأقفل المحضر في الساعة الثالثة ليحال في يومه للنيابة أمام إصرار" السيدة نورة "على أن يأخذ العدل مجراه وهي تردّد "إن شاء الله يشد الحبس توه يعرف ربي "

وفي هذا اليوم 28 جويلية وفي تمام السّاعة التاسعة

وحين قدمت سيارة السجون والاصلاح " ستافات" بشبابيكها المسيجة أيقن أن دعا ء الوليّة مقبولا.

و أخذته "الستافيت" مع رفاقه من أمام مقر المندوبية تسيربهم نحو سهل فسيح بين "وادي تمريت" " والكريفات "حيث كانت هناك أعشاب "كرع الدجاجة المباركة " وقرين جدي والكز" لكن الزّحف العمراني لم يترك للخُضرة مكانا . ولا ح لهم "الحبس" ببنايته البيضاء تعلوه الرّاية التونسية الحمراء

تجاوزوا نقطة التفتيش ، وصلوا ساحة المدخل وفوهة سبطانة الشطاير النمساوية الصنع ترصدهم من فوق البناية . وفُتح لهم الباب على مصرعيه فدخلوا بعد أن سحبت منهم هواتفهم.

لم يكن وحده، لكنّه وحده أيقن أن" كراع دجاجة" مستجابة "الدّعوة"

اقتادهم العون المكلف بذلك الى مكتب السّيد مساعد المدير الذي استقبلهم في زيّه المدني بكل بشاشة بينما كان أعوان السّجون على اخلاف الرّتب التي رآها عرفاء وعرفاء أول وملازمين في أزيائهم الوظيفية المميزة والأنيقة .بنوعيها الرّمادي المائل للبياض بسراويل وقمصان نصف كم" بوزي" أامّا الزّي الثاّني فلونه أزرق داكن مائل للسّواد أكثر بسراوال عسكرية منظمة في أحذاية نصف القصبة نوع "برودكان" الخفيفة مع قمصا ن مماثلة للون السّراويل أو "المراويل قطنية" . وكذلك العَمرات فوق الروؤس .

وكنت ترى الاعوان وخاصة اصحاب هذا الزّي في نشاط وخفّة . ويبدو أنهم أعوان الميدان والحراسة في حين أصحاب الزّي الأول أعوان الادارة والملفات لكن ذلك قد لا يبدو صحيحا فتراتيب السّجون لا أعرفها

غاب عنهم السّيد المساعد برهة من الزّمن دون أن يتركهم دون أنيس . حيث خلفه عون في لحظة غيابه فهنا لا مجال أن تبقى وحيدا دون رقيب

وعاد السّيد المساعد باسما في وجوهم ليأخذهم لمدير السّجن المدني في مكتبه

لاحظ الزّوار اثناء انتقالهم بعض الجداريات التى تزوّق الرّواق الى جانب نبتات الزّينة . مع حركة ذهاب و إياب يبدو أن فريق التّموين أحضر المواد اللازمة حيث كان بعض المساجين ينزلون علب و"كراتين" الأغذية لتحزينها تحت انظار أعوان المراقبة و التّدقيق

وخطر بباله صديقه لطفي الذي قضى ستّة أشهر وراء القضبان. كان هناك سوء تفاهم بينه وبين زوجته التي لا تحبّ أهله بالرّغم أنها ابنة خالته ولكن صلفها جعلها تقسم أن يدخل السّجن فرفعت ضدّه قضية نفقة وإهمال عيال . دخل بمقتضاها السّجن وقضى مدّته حيث لم يستطع اثبات أنه ينفق على عائلته ولم يهمل عياله يوما للمحكمة الموقرة فقضت بالنفاذ العاجل .

وحين قابله لم يسأله عن عدم إنفاقه أو إهمال عياله لعلمه أنه من المسرفين في هذا الشأن. لكنّه سأله إن كان شعر بالملل خلال هذه المدّة . فأجابه "عديت 4320 عام من عمري في الحبس وتحبني مانقلقش "

فاستغرب قائلا له" كيفاش ستة اشهر موش مدة طويلة ؟"

فاجابه " يوم الفرح مثل ساعة وساعة النّكد مثل عام " فسكت.

ادخل يده في جيبه يبحث عن هاتفه غير الذّكي" نوكيا" كي يهاتفه وتذكّرأنه سُحب منه عند التّفتيش كإجراء أمني

كان يودّ ان يسأله. وإن كان سؤاله فيه شيء من الإحراج. والحمد لله أن الهاتف ليس معه.

يبدو أنه متسرّع أكثر من اللاّزم . ولعلّ حماسه وما يدور بخاطره يغفر له ذلك، فقد يكتشف قاعدة علمية مهمّة

كان سيسأله "هل سيقان زوجته كرع دجاجة" أم لا " هو يعلم أنه لا أسخر منه ولا يستهزئ من زوجته فهذا ليس من طبعه . كان سينصحه فقط ويقدّم له خدمة، فإن كانت كذلك فهي مستجابة الدّعاء وعليه أن يأخذ حذره .

ودخلوا المكتب فاذا حضرة المقدّم يستقبلهم . وهو رجل أسمر " مربوع قدّ " و الأرجح انّه يبدو ضخما قليلا، لطيف الابتسامة يدعى السيد مراد اليوسفي

وخطر بذهنه النّبي يوسف عليه السّلام العفيف الشّريف وكيف زجّت به "زليخا " في السّجن

ورغم أنه استعاذ من الشّيطان الرّجيم الا أن السؤال أخذ يراوده ويلحّ عليه كما راودته وألحتْ عليه . فبدأ يعصف برأسه "ويزنّ عليه "هل كانت"زليخة الفرعونية" الجميلة ذات أرجل "كراع دجاجة"؟ والله إن كانت كذلك فهي مستجابة الدّعاء . وحين لم يمتثل لها سيدنا يوسف دعت عليه بالسّجن فزج به فيه

لو صدق ذلك فسيكون صاحب نظرية علمية قد لاتقل شأنا عن نظريّة أكبر علماء العصر.

فالسّيدة "نورة كراع دجاحة " وزوجة صديقه "كراع دجاجة" و"زليخة كراع دجاجة" وكل منهن مستجابة الدّعاء

دعت عليه" نورة " فهاهو في السّجن اليوم . ودعت زوجة صديقه على زوجها فقضى ستة أشهر ودعت "زليخة "على سيدنا يوسف وحكايته معروفة

أفاق من شروده على يد حضرة المقدّم اليوسفي وهي تصافحه وبقية المرافقين . وقد استقبلهم بكلّ بشاشة ورحّب بهم و ظهرت مع عبارات التّرحاب لكنة أهالى الجنوب الحلوة.

و زاده زيّه العسكري مهابة ولاح على كتفيه شعار ونجمتان ذهبيتان فكان لزاما عليهم واجب الاحترام عند التخاطب بمناداته حظرة المقدم "مون كولونال "

وما إن جلسوا على الأرائك الجلدية السّوداء التى تؤثث مكتبه المكيّف حتى أمر لهم بقورير الماء المعدني البارد "صابرين" و"القهوات الإكسبريس" الجيّدة التحضير

كان هدفه الأساسي وهدف مدير دارالثقافة وبقية الرّفقاء تحيين اتفاقات الشراكة مع مصلحة السجون والتخفيف على المساجين ببعث نواد كالمسرح والموسيقى والشعروغيره .يشرفون على تأثيثها تطوعا . .

كان اللقاء مثمرا . و أبدى حضرة المقدم استعداده التّام لذلك .

كان يودّ المغادرة باقصى سرعة لسبين اثنين بالرّغم من حفاوة الاستقبال وطيبة الوجوه ، لكن المكان يبقى حبسا والخروج منه غنيمة هذا السّبب الأول أما الثُّاني فقد قال في نفسه كان حريّ به أن يتثبت في أموره وينظر من حوله هل "سيقان " زوجته كغيرها من "السيقان "أم "كراع دجاحة" فتكون نطريته أاكثر واقعية واقرب للصّحة والتّصديق.

وبعد أن استلم هاتفه واستلموا . وودعهم المشرفين امتطوا "الستافيت" التي أعادتهم على جناح السّرعة من حيث أخذتهم من أمام مقر مندوبية الشؤون الثّقافية

ر غم أن صديقه مدير الدار دعاه الى جلسة في مكتبه لتقييم الزيارة إلا انه اعتذر ورجاه أن يؤجل ذلك لأنه تذكر أمرا جللا .

وما إن وصل الى مقر إقامته بحي الطيب المهيري وفتح باب المدارج وارتقى وفتح باب الطابق الاول ودخل حتي لمحها مستلقية على البنك الخشبي تداعب هاتفها الذكي .

ودون أن يلقي السّلام نظر إلي جزئها السّفلي ولكن يا خيبة المسعى ، كانت تضع لحافا أبيض موشى بزهور الاقحوان تغطي به ساقيها فأحس بشيء من الانقباض وفي سرعة مدّ يده وأزاحه بخفة فصرخت في وجهه "لباس انت ِ"

ودقّق النّظر فاذا هي ترتدي جوربا "منشفة" طويلا ولم يتمكن من معرفة حقيقة رجليها

وخاف أن تكتشف أنه يبحث عن نوع ساقيها فتدارك الموضوع قائلا "لا لباس أما إنت لابسه كلاست منشفة في جويلة ؟

فاجابته :"أش يهمك فيّ جيت من برّه طول عريتني" في لهجة حادة

فأجبها وهو يليّن الأمر" لا حبيت نطمان عليك وبرّه ،برى اعمل دوش توه تتفرهد " والحقيقة أن غايته أن تكشف عن ساقيها .لكنّها زمّت شفتيها متمتمة " ما هلكني كان الدّوش " وأضافت

"وينو اللي وصيتك عليه"

وتذكّر في تلك اللّحظة أنها أوصته أن يحضر لها شيئا من الحنّاء لكنّه نسي تماما .وانشغل بزيارة السّجن . والمكوث في المقهى واللّهو مع الأصدقاء.

لعن الله النّسيان ، قالها في نفسه وأضاف لقد صرت أنسى كثيرا . ألا تكون بداية الزّهايمر أم ماذا ؟ فكثيرا من الذين أعرفهم يشتكون مما أشتكي . أيكون مرض العصر؟ أم الشّيخوخة تطرق بابنا ؟ لكنّي أعرف شيوخا طاعنين في السّن مازالوا يحتفظون بذاكرة وقادة . أم هو الغذاء ؟. ألا يكون الغذاء سببا في تفاقم ظاهرة النّسيان عندي وعند غيرى؟ فقد بتنا نعشق الأغدية المعلّبة والمصبّرات المنكّهة واللّحوم المجمّدة ، والخضر المسمّدة والفواكه المهجّنة. وكل شيء فقد نكهته ورائحته .لقد أهملنا كل ماهو صحيّ ، "بيلوجي" ، طبيعي . وصارت الحياة من حولنا مغشوشة"مسرنطة" .

رحم االله زمن" التّفاف " الطري و" بوحليبه" الغضّ و"الزرنيز" و"العسلوج اللّين " و"كراع الدجاجة "

وأفاق من محادثة نفسه على صوت زوجته وهي تسأله "وينو الي وصيتك عليه ويني الحنّة ؟

تلعثم قليلا وتماسك بسرعة . ولم يخبرها أنه نسي وأخبرها أن البائع رفض أن يبيعه من الحنّاء التّي عنده فهي ليست جيّده .وطلب منه أن يعود إليه بعد منتصف النّهار. فستصله حناء جيّدة في ذلك الوقت . وأخذ يثني عليه وعلى أمانته وأنه مثال للتّاجر الصّدوق وكيف فضّل أن يبيعه "حنة قابسية" من الصّنف الرّفيع

لقد قال له بالحرف الواحد "لا ما نعطيكش منها الحنّة اللّي عندي باردة ما تطلعش . أرجع مع نصف النّهار جايتني سلعة باهية من قابس "

ونطر في ساعة هاتفه وخرج مسرعا مرددا "وقيّتْ ربما يبيعها وما يبقاش منها " وتركها تنظر له في اسغراب وليس يدري أتكون اكتشفت أنه نسي ،أم إنه كاذب ؟ ليس مهما ، فالكذب على الزّوجات مسموح به وهي حتما اكتشفت أنه نسي وأنه يكذب حين أثنى على تاجر الحومة .

فـ" ابراهيم الغربي" تاجر حومتهم سيّء السّمعة لا أحد يمدحه كان سائقا لأحد مسؤولي الحزب في المدينة لم يتعلّم منهم إلا الصّلف و"النّفخة" ناقم على الثّورة يتحسر على أيامه مع النّظام السّابق .

نزل المدارج بسرعة وهو يلومُ نفسه كيف نسي الحناّء ؟ الحنّاء ستحلّ له المشكل، وسيطّلع على ساقي حرمه المصون فلابدّ أنه كان ت تعدّ قدميها لطلائها بالحنّاء ولذلك لبست الجوارب. فالنّسوة يعشقن تزيين أقدامهن وأيديهن بالحنّاء ويتفنّن في ذلك. بل هناك من اختصت في هذا الميدان وأصبحت "حنانة" ذائعة الصّيت تجيد النّقش والتّزويق.

والحنّاء عند النّسوة شجرة مقدّسة من أشجار الجنّة لها أوراق كأوراق الرّمان وعيدان كعيدانه إلا أن الأزهار بيضاء كالعناقيد . 

يتبع ... 

نصر العماري

Reactions

تعليقات