القائمة الرئيسية

الصفحات

 رسبوا حيث نجح

تعرّى الحائط و برزت قوالبه الّتي صمدت لسنوات طويلة تخفي ما وراءها و من بها احتمى. كانت داخل البيت عائلات تعيش، وكان الأباء و الأمّهات يبذلون ما في وسعهم ليعيش اطفالهم عيشة غير الّتي عاشوها هم. لكنّ الظّروف كانت أقوى منهم و من أطفالهم فيد الغدر و الخيانة سبقت الحياة إليهم فقتلت من قتلت وفرّقت و شرّدت من بقي في نفسه بقيّة. و نجا الطّفل الّذي تماهى مع الحائط في العري و الفقر. و كأن الفقر أقوى من الخيانة. ثمّ كأنّ العري استقوى على كل ألبسة الفساد و العار.. كان الطّفل يتألّم كما الحائط يشعر و لكنّهما أبديا صمودا رغم ضعفهما و قلّة حيلتهما. ظلاّ ثابتين ربّما لأنّهما محصّنان ضدّ المرض والفقر فهما أصلا عنوانه و صورة دالّة عليه. لذا لن يصيبهما أكثر ممّا هما عليه أو فيه. تغلّبا على كلّ المؤامرات و الحيل الفاسدة الّتي استهدفتهما و ظلّت تستهدفهما. تغلّبا على الفيروس و نفعهما الفقر والضّعف أكثر ممّا ضرّهما. اتّكأ الطّفل على الحائط يواسي كلّ منهما الآخر و يحتمي به في مواجهة الخيانات فردعا كلّ المحاولات البائسة ضدّهما ..أخذ الطّفل بعضا من لون الحائط و غباره فأفلت من ضربات الغدر و مرّت بجانبه سكاكين الغدر و رصاصات السّلب و النّهب فلم تبلغه و لم تطله. و أخذ الحائط من دم الطفل و قلبه النّابض بالحياة فحنا عليه و حماه وشغل نظر كلّ من سوّلت له نفسه الإساءة إلى الصّغير البائس... فعاشا . وقف الطّفل حافيا.. عاريا..جائعا.. واستقام الحائط إلى جانبه يسنده و يذكّره بالّذي عاشاه والّذي ينتظرهما فتعاقدا على المضيّ قدما نحو البناء الجديد لكليهما و تحطيم القيود الّتي منعتهما دائما من التّطور و الانعتاق..ثمّ نظر الطّفل إلى مستقبله يعدّ مكانا بين المتسابقين نحوه و يسجّل اسمه على قائمة المتنافسين على بلوغ المراتب الأولى في النّيل ممّن خانوا و غدروا و الضّرب على يد المتلاعبين بدماء الضّعفاء و أرواحهم النّقيّة..فوافقه الحائط معلنا أنّه سيكون حصنه و ملجأه و مصدر دعمه و مساندته فهو الّذي وقف دائما و منذ قيامه إلى جانب حبّ البلد و محبّيها..و تبدأ قصّة جديدة يصنعها الطّفل مع صديقه و حاميه لتكون عبرة لكلّ المحبّين..و دفعا مثيرا للاقتناع بأنّ الهدف يتطلّب الصّمود و التّضحية و يحمل على مصارعة الواقع والتّأقلم معه إلى حين. فالمتربّصون بالبلد يتلوّنون ويخادعون والسّر في دحرهم يكمن في التّلون بلون البلد لأنّهم لا يعرفونه فقد تاه عنهم منذ سمحوا لأنفسهم سلخها عن جلدها ليضعوا عليها قماشا لا يليق بجمالها و ألوانا لا تستسيغها و قياسات لا تسترها و إن كانت أطول فهي تحجب جمالها فاختلطت عليهم الأمور و باتوا كالغراب الّذي أراد تقليد مشية الحمامة فلم يفلح في ذلك و لم يقدر على استعادة مشيته الأصليّة، فراحوا يتخبّطون في فشلهم الذّريع. أمّا الطفل فقد ظلّ على العهد و استمات على لونه والحائط إلى جانبه .
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس
Reactions

تعليقات