القائمة الرئيسية

الصفحات

زبائن الليل
تعودت منذ أعوام مشاهدة قطط مشردة قدر لها أن يكون الظلام لحافها والرصيف مقامها والحاويات مورد رزقها فاقول لنفسي : لماذا لا تتمتع هذه الكائنات المعفرة بالتراب والنفايات بعيش يضمن كرامتها مثل بقية القطط التي تأكل طعاما صحيا وتنام في حضن أصحابها مطمئنة وتنعم بالاستحمام والدواء والنزهة وركوب السيارات الفاخرة وكماليات أخرى لا يحلم بها المعذبون في الارض ..قطط شاحبة الوجوه غائرة العيون ولا علامة تدل عليها سوى كسوة العظم والجلد ويقايا وبر تذروه السنوات العجاف ....تلوح لي هذه الجحافل متسلله في جنح الظلام فأسمع صدى الزفرات الحارقة وهي تردد :" الخبزة مرة" ..لكن رغم الحرمان والزمن الجائر تظل صامدة تراقب في لهفة موعد خروج العائلات نحو حاويات القمامة محملة بأكياس فيها حياة لحرفاء الأزقة والأرصفة الجائعة ولابد من مسابقة الزمن قبل التزاحم والعراك والمواء الحاد فهي عارفة بمواقيت رقعها من قبل أعوان البلدية .. مشاهد موجعة ترافقني ولا اجد لها تفسيرا وتضاعفت أكثر عندما وجدت فئة من البشر الذين عضتهم البطالة والفقر والتهميش والحقرة فتنافسوا في جمع القوارير البلاستيكية ونبش الحاويات المنشرة في أحياء كثيرة وهم يخيطون الشوارع والازقة مستعينين بدراجات بسيطة او عربات متآكلة تحمل آثار النفابات ..هم نساء ورجال واطفال يحملون أكياسا كبيرة تتسع لأحلامهم وآمالهم الثاوية بين قوارير عجّت بها الحاويات ...وكيف يتوارون من أعين التاس ويحسون بالنقص و الخجل فهم عمال شرفاء يعيشون من عرق أجسادهم النحيلة .. بسمونهم "البرباشة والنبّاشة " ولم يعلموا أنهم عشاق الحياة رغم كدماتها الموجعة ..لم أعد أستغرب اجتماع القطط والبشر بحثا عن لقمة عيش في مرارتها حلاوة المقاومة الجماعية ..في ظل هذه الاوضاع تنتفخ بطون الأموال والأعمال والثراء الفاحش بلا شفقة أو رحمة وتنتفخ أكياس المسحوقين ينفايات صارت روائحها الفتّاكة هي طيب الحياة
-----------
شكري السلطاني
متابعة : سهام بن حمودة
Reactions

تعليقات