القائمة الرئيسية

الصفحات

لا اعرف كم شخصاً احببت ، لكني اتذكّر جيّداً الذين اكرههم - سمير العوادي


" لا اعرف كم شخصاً احببت ، لكني اتذكّر جيّداً الذين اكرههم "

- لم اقرأ من الأدب العربي منذ وقت طويل، و ربما هذا ما يفسّر غياب "حنظلة" من جهازي المفاهيمي [..] فقدتُ اهتمامي حين تم إقصائي من مسابقة تحدي القراءة . اتذكّر فشلي ذاك ، لقد كان دريعاً . كنتُ مرشّحاً بشدة للوصول على الأقل الى المرحلة الوطنية . لكن أقصيتُ عند حدود الدور الثاني . شعرتُ حينها كاني قارئ سيء . كما انني خيّبتُ ظن أولئك الذين عوّلوا على قدراتي، و قالوا بأني قد أبلغ الإمارات . شعرت بالسوء و خسرتُ شغفي و اسندتُ فشلي الى اللغة معتقداً ان الألفاظ قد خانتني . لقد كان إعتقاداً خاطئاً أليس كذلك ؟ 
لا يهم ...
  توقّفت، واكتفيتُ بالدروس الأكاديمية التي كنتُ أتلقّاها في الثانوية . كنتُ ابرّر تقاعسي برفع شعار "الأدب العربي يكرّس الأدلجة و يعزز منطق المركزية الإثنية " . بقيتُ على هذا النحو لأشهر كثيرة .  بعدها استرجعتُ شغفي ،  لكنّي لم افتح مؤلفّا عربياً قط بل أبقيتُ على الشعار مكتوباً على قماش أبيض  يرفرف داخل رأسي . ثم إتجهتُ نحو الأدب الرّوسي، و الفلسفة الغربية [..]
- الآن أشعر بالحنين تجاه المؤلّفات العربية . أدرك جيّدا ما ينتظرني . توجد  ملايين العناوين التي ينبغي عليّ محاولة قراءة أكبر  عدد منها ، قبل ان يحين موعد فنائي . كما توجد فلسفات غربية لازلتُ قزماً امامها . الوقت يداهمني، و بالرّغم من كوني متشرّداً ميتافيزيقيّاً، فإني أحاول جاهداً ألا أكون عدميّاً . و أرفض ان أكون متشرّدا إجتماعيّاً أيضاً، لذلك تجدني أحاول جاهداً ان أبقي آمال المجتمع حية داخلي . أحاول ان أجعل إسمي قيّماً قدر الإمكان و بطريقتي أنا، مع أن حتى كلمة "أنا" هذه أصبحتُ أشكّ في كونها تحملني و تمثلني .
لا اعتقد انني خذلتُ أحداً في غير ما اشرتُ إليه أعلاه . لكني احسُب جيّداً اولئك الذين خذلوني . و عبرَهم إتضحت لي غالبية تلك الأوهام التي كانت مسيطرة عليّ . و بسببهم كذلك تنازلتُ عن الكثير من القواعد و اصبحَت لي رغبة جامحة في كسرِ أخلاق العبيد . أعني تلك التي لطالما كانت صفاتي و مزاياي [..] 
اعتذر لمن كلّف نفسهُ ليقرأ هذا . و كتعبير صادق عن إعتذاري ذا، فإني أصرّح قائلا بأنه نصّ فارغ  .  كما أقرُّ أنه لا يحمل فكرة ما، ذات صفة نفعية . و اعرف انكم مدركون جيّداً يا قرّائي ، أن المرء يصبح فجأة ثرثاراً حينما يتحدث بصيغة المتكّلم . إنها لعنة "الأنا " التي يصاب بها كل من طرح سؤال الجدوى حول الوجود . لماذا كلّما فكّرنا في العالم ،  وضعنا أنفسنا مركزاً له ؟ انا لا اعلم على وجه الدقة سبب ذلك .
  أكتب الآن و انتقل من عبارة الى عبارة دون ان اعرف ما إن كان هناك خيط مّا ، حتى وإن كان واهيّاً ، يضبط الاقوال  و يحفظ المعنى . اكتب يا قرّائي،  لأواسي نفسي . اكتُب لكوني شابّاً قد تاه بينما كان يبحث عن المعنى . لا اعرف كم شخصاً احببت ، لكني اتذكّر جيّداً الذين اكرههم . إنهم يحفرون داخل ذاكرتي .. لقد سمّموا تفكيري ، و جعلوني على غير ما أردت .. هل يسمعون هذا ؟ هل هم موجودون بالفعل كما اتخيلهم ؟ هل أسأتُ قراءة مواقفهم تجاهي ؟
لا اعلم ...
ما انا متيقّنٌ منه، كوني أكرههم و لا أرغب في التوقّف عن هذا الشعور . إنه يدفعني بشكل ما كي أستمرّ نحو ذلك الإنسان المتفوّق المنشود . إني اكرههم حتى و إن كنت مصدراً لهذا الخطأ  .  انا مقتنع انهم جعلوني تعيساً بشكل لا يصدّق و حمّلوني ما لا طاقة لي به . انا لست يسوعاً كي أتحمل خطاياهم . لقد عملوا على بناء المثُل و قسموه، وجعلوا فيه ، نصيب المتحذلقين مثلي أن يخلدوا في الجحيم . جعلوا فيه رواقاً سيئ السمعة يخافه الرُّعاع الكسالى .  الكراهية تحرّكني كي أسمو و أستنشق هواء الأعالي. الكراهية ملاذي الوحيد ، وهي التي تمكنني من بناء صرح لا يصله الغانديين و المؤمنين بكيوبيد ..
دعكم من هذا ..
انا فقط، اكتب و احاول ألا انهمر ...
____________________
- سمير العوادي | 16 يوليوز 2020 | المغرب 
Reactions

تعليقات