القائمة الرئيسية

الصفحات

البركان
نظرة حزينة و دمعة حارقة تشقّ خدود الصّغير الّذي فقد كلّ فرحة و فقد صفة الطّفولة منذ نعومته ..أجبر على ترك اللّعب وحمل هموم عائلته والعمل من أجل قوتها..لم يختر حياته ولم يختر اسمه ولم يختر مهنته و هي في الأصل لا تناسب من هم في مثل سنّه. أخافته الصّورة فوقف متسمّرا ينتظر نهاية المشهد ليقول لماذا الصّورة؟ لماذا لم تكن هذه الصّورة و أنا على مقعد الدّراسة؟ لماذا لم تأتوا من قبل عندما كانوا ينادونني طفلا؟ حينها كنت ألعب و أعرف معنى اللّعب و متعته .. و كنت نظيفا و أرتدي ملابسا تليق بسنّي و بصفتي. كنت وسيما وتصلح ملامحي لتوضع على الصّفحات الأولى من مجلاّتكم .و كنت أعرف أحمد و سامي و سلمى و ..و ..وكنّا نلعب ونثير ضجّة تبهج الآباء و الأمّهات و يتباهون بنا لدى الجيران

و الأقارب. أمّا و قد ودّعت ساحة اللّعب وصرت عاملا كادحا فأنا أظلّ مجرّد رقم في ملفّ من ملفّاتكم يصعد و ينزل حسب استطلاعاتكم و استطلاعات آراء "جنودكم" فما جدوى صوركم و تعليقاتكم؟.. دموعه كانت تحمل معاني كثيرة و تستدعي قراءتها من وجهة نظر الطّفولة الّتي ماعادت في الحقيقة تحمل هذه الصّفة مذ خشنت أيديها و تصلّبت أطرافها فهي لم تنم بعد لنسميّها سواعد..دموع هذا الطّفل معناها الخوف من الآت..معناها الحسرة والحرقة على ما فات و ما تعيشه الطّفولة..معنى هذه الدّموع حيرة وتساؤل حول سبب مأساة الطّفولة في مناطق عديدة من بلدي وعدّة بلدان في العالم..و هذه الدّموع هي رسالة تظلّم لدى من يضع الأرقام ثم يبدلّها حسب حاجة في نفسه و برنامجه..هذه الدّموع صرخة وجع و آلام لا يشعر بها من كان يأخذ صورة للزّينة و يسعى وراء تأثيث ملفّ في كتاب "guinez" لأجمل الصّور و أكثرها رقّة و اكثرها حسّا بالألوان و التّعبير..لن يفهم معنى هذه الدّموع إلاّ من سلب حقّ اللّعب وحقّ البراءة وحقّ المنافسة من أجل رتبة جيّدة في المدرسة و في التّعامل مع الأشكال و الألوان و الحروف المبعثرة فيشكّل بها عالمه وليس العالم الّذي حدّدته له ظروف خارجة عن نطاقه..و حتّى الدّموع عند صانعيها لها ألوان فمنها ما يثير الشّفقة و منها ما يستدعي حضور كبار العلماء و المختصّين في مجال الطّفل و منها للأسف ما يقال عنه هذا ما جناه عليها الكبار و لا أسف و لا شفقة على الباكي بل هذا ما تستحقّه الطّفولة في هذا المكان أو ذاك حتّى لا يسعون وراء حقوق و حاجات فيكبروا و تكبر معهم فيطالبون بها ..أمّا النّظرة البائسة فهي في الحقيقة على قدر ما تترجم الأسى و الحزن فهي في الآن نفسه تهديد بالجواب على الظّلم.. هذه النّظرة هي رسالة حارقة و قويّة بأنّ المستقبل بالرّغم من أنّه باهت و غير واضح فإنّه يحمل أسرارا تخبّئها الطّفولة المحرومة و المظلومة لحين..هذه النّظرة يا من تريدون أرقاما لحساباتكم سوف لن يسعدكم ما ستؤول إليه ..فنيران البركان و شضاياه تأخذ وقتا تتخمّر فيه قبل ان تندلع و قبل أن تأتي على من لم يعرها اهتماما و لم يحسب لها حسابا وهو الّذي يسجّل كلّ الأرقام الصّاعدة و النّازلة..فهذه العين الباكية هي في الحقيقة عبارة عن بركان و ما الدّموع سوى دفق من صهارة بدأ بالسّيلان ليحرق كلّ الأوراق و الاستطلاعات المزعومة و ليرسي أرضيّة خصبة تصلح لأيّ زرع مفيد و يتسنّى فيها للطّفولة أن تلعب. فالأرضيّة ستكون سهلة و غير صلبة ..حتّى السّقوط فيها لا يخلّف جروحا فهي ناعمة على قدر نعومة الأطفال وتسمح لهم أن يتعلّموا منها و فيها كلّ ما يحتاجه الطّفل في صغره ليصير رجلا أو امرأة وقد تخصب بهم الأرض بعد البركان. و الأشكال الّتي رسمها و لوّنها و الحروف الّتي كتبها تصبح بمثابة الأساس الّذي انبنت عليه صروح المستقبل الّذي هو حاضرها عند ما كبرت..

رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
Reactions

تعليقات