القائمة الرئيسية

الصفحات

في ذكرى غسان كنفاني - توفيق الشيخ حسين

في ذكرى غسان كنفاني
بقلم : توفيق الشيخ حسين


الحقد كلمة كريهة , على وزن سـم , لكن السـم قد يكون كما يقال علاجا لبعض الأمراض أو أن يقتـل دفعة واحدة, لكن الحقد لا يمكن آن يكون دواء أو شفاء للنفوس التي يتسرب إليها , لأن الحقد اشد فتكا من النار والألم , لكنه لا يقتل دفعة واحدة وهو قادر إذا ما تحكـّم في إنسان أن يخرجه من أثواب إنسانيته ويحوله إلى أي شيء آخر " أي شيء " إلا آن يكون إنسانا , لأن الحقد قادر بمفعوله المدمر أن يشمل عقل الإنسان وأعصابه , قادر أن يحرق كل شاشات الرؤيا على عينيه وقلبه فيتحول إلى شيء فاقد البصر والبصيرة , فاقد الأعصاب والتفكير , يتحول إلى آلة مدمرة لا تفرق بين الأشياء التي تدمرها لأنها لا تتقن إلا التدمير والتدمير فقط ..
تمر علينا الذكرى 48 عاما ً على أستشهاد غسان كنفاني , الذي أستشهد في
الثامن من تموز سنة 1972 عندما أغتالته المخابرات الصهيونية فوضعت بذلك حدا لنهاية مناضل كبير كان ( قـمة في الصحافة والنضال ) كما وصفه الأديب الشهيد كمال ناصر , فالأستشهاد قبل غسان وبعده " أصبح قدر
الفلسطيني " أو الموت الآخر للموت الفلسطيني
منذ رحيله عنا وهو شغل الناس الشاغل , فمعظم الصحف والمجلات لا تكاد تخلو من مقال يتحدث عن مآثره العظيمة "لأنه كان عظيما " والعظمة لله وقد خلف وراءه فراغا هائلا في دنيا الصحافة والأدب .. كانت فلسطين وقضايا العرب والحرية محور عمله الصحفي , وفي كل نشاطاته كانت فلسطين الوطن والثورة والمخيم , والنضال هاجسه الذي لا يفارقه , فعلى قلمه تلتقي أمجاد الشهداء وذكريات عكا ونكهة البرتقال الحزين ومرارة التشرد
لقد سقط غسان كنفاني في ميدان الصراع , سقط وهو يسيطر على موقعه الكتابي , وقد أغتالته المخابرات الصهيونية لأنه حمل فاعلية الكتابة التي تصنع جيلا سيعثر على أداة التعبير عن فاعليته في السلاح , ولذلك فأن الدفاع عن غسان كنفاني امام أخطاء من لا يرى فيه غير موته هو دفاع عن الكتابة وعن الحياة , لقد كان متواضعا , يعشق الظل والصمت , منصرفا إلى الجهد والعمل تماما مثل عشقه السرمدي لفلسطين ولكل حبة تراب في أرض الوطن ..
في اللحظات الحاسمة كان قويا بشكل لا يصدق , وكان يحاول أن يمد الأخرين بشيء من تلك القوة , بعد ذلك كان يعبر عن مشاعره بكتاباته السياسية والأدبية .. في 9 يوليو سنة 1972 كتبت ( ألد يلي ستار ) تقول :
" كان غسان الفدائي الذي لم يطلق الرصاص قط , كان سلاحه القلم , ومحور نضاله صفحات جريدته , ولقد أوجع العدو أكثر مما أوجعه صف من الفدائيين" أغتالت أسرائيل جسده , ولم تتمكن من أغتيال كلمته , باق ٍ في الذاكرة والوعي والواقع ..
البطل الفلسطيني في قصص غسان كنفاني هو الأرض , والذين يصفون مجدها , الأرض والإنسان رابطة الوفاء بينهما , قصصه القصيرة ورواياته كلها تعطي حسا فلسطينيا متوترا , لقد كان ثوريا من حيث هو كاتب ثوري , لم تنتزع هذه الصفة من لحظة الاستشهاد , كان غسان يكثر من الرسم خصوصا الجياد في بعض رواياته وقصصه القصيرة , يلعب الحصان دورا مهما , كان غسان يقول :
" بالنسبة لنا نحن العرب يقف الحصان رمزا للجمال والشجاعة والأمانة والذكاء والحرية " .
.
لقد رسم جسده الممزق حالات القضية الفلسطينية , كان صوت غسان هو الصوت الذي يؤكد التزام الكلمة بالخندق الذي يدافع عنه , سواء على الورق آو عند الرمال المشتعلة بالنار , من قلب النار , ومن بين سطور الغناء , ومن قطرات الدم وبقايا اللحم المعجون ترتفع موالا للأرض تغني فتولد حيث كنت الحياة ...
Reactions

تعليقات