القائمة الرئيسية

الصفحات


أنا أيضا ابن بلديإلى متى يجرفني سيل فلا أقبّل أمّي بعد ذلك أبدا ؟ إلى متى أتعذّب وأتبلّل و توسّخ الأوحال سروالي الّذي لا أملك غيره ؟ إلى متى أغنّي أغنية الحزن و أنا ابن السّادسة و السّابعة..؟ إلى متى أظلّ أقاوم الشّتاء في طريقي إلى مدرستي البعيدة بينما يركب من هو في مثل سنّي سيّارة تكاد تنزله داخل القسم أو ربّما تجلسه على مقعده؟ إلى متى أظلّ صورة أو شريط فيديو على شاشاتكم و تأتون بعدها بغطاء مزيّف وبعض الأكل فتوهموني بأنّ مشكلتي هي تلك؟ ألم يحن الوقت بعد لتنهض بعض الهمم في هذا البلد فترفع من شأني و تنظر إليّ على أنّي انسان يشعر ولديه طموح مثلكم تماما ؟ ألستم من قال إنّ الدّرس من حقّ الجميع..الحماية من حقّ الجميع..الخبز الهانئ من حقّ الجميع..الأمان و الطمأنينة من حقّ الحميع..؟ ألم تتحدّثوا عن الكرامة و العيش الكريم؟ أين الكرامة فيما أعيشه شتاء و صيفا وفي كلّ فصل؟ أليس لي الحقّ في اعتلاء مراتب مشرّفة في بلدي أم أنّي كتب عليّ أن أكون في الحظيظ مهما كانت حظوظي و مهما كانت إمكانيّاتي هل تسطّر الحياة حسب مقاييس لا تشملني؟ أقضي يومي في مسافات بين المدرسة و بيتي فانهار ولا يتسنّى لي أن أراجع درسي أو حتّى أن أستوعب. حقّا فجسمي إمّا مبتلّ أو انتابته قشعريرة من البرد و العناء فلا أقوى حتّى على التّنفّس بشكل طبيعيّ و كثيرا ما تذهب الشّمس الحارقة بنشاطي فإذا بي جثّة في القسم . وبعد كلّ ذلك يأتي أحدهم و يعلن نتائج الامتحان و أنّي من بين الّذين رسبوا أو من بين الّذين تحصّلوا عل نتائج متوسّطة فلا حقّ لي تحت رزء هذا الشّقاء في جائزة أو حتّى ذكر اسمي مع المتفوّقين.. هل جرّبتم أو حتّى فكّرتم يوما أن تكونوا في مثل وضعي فتعرفون ما أعني؟ قد أتحامل على نفسي و أجتهد فأنجح نجاحا لم يكن في حسبانكم فهذا ليس لكم فيه أيّ جهد بل هو جهد أبي الّذي درّبني على أن أكون صلبا و أعارك الطّبيعة مهما قست و هو أيضا جهد أمّي الّتي تعمل ليلا نهارا في المزارع و الضّيعات و قد تعود بعد مضيّها إلى العمل و قد لا تعود فالمسافات الّتي تسلكها وعرة و بعيدة.و لا أنسى طبعا جهد من أقبّل جبينه ويده صباحا مساء و لا أفيه حقّه وهو معلّمي.. علّمني والداي أيضا أن أفتكّ حظّي و لا أنتظره من يد أحد..علّماني الصّبر على المحن حتّى وإن كنت صغيرا على فهمها أو تحمّلها إنّما كلّ ما أعيشه في عائلتي درس يحملني على التّشبّث بما أريد و هكذا أنجح وقد أفاجئ الجميع. لكن لا تأتوا بعد نجاحي و تجعلوني قصّة من تصميمكم و نتيجة لجهود بذلتموها من أجلي..لا تجعلوني أكره أنّي انتسبت لبلدي وهي عزيزة على قلبي كما هو حال أمّي و أبي. لا تفقدوني الثّقة في أنّ البلد لها رجال منشغلون بهمومها و بحلّ مشاكلها مهما صعبت..تعلّمت من بيتي و التفافة العائلة حول إناء واحد للأكل أن أتشارك الحبّ و البسمة و الكلمة الطّيبة مع من حول المائدة فلا تجعلوني أكره ما تعلّمت..فبلدي في حاجة لمن تعلّموا الجلوس على مائدة واحدة الكلّ من حولها له كلمة و طرفة و رأي و الكلّ من حولها يتفاعلون مع بعضهم البعض ..فيحصل الانسجام وتحصل الفائدة و لا مجاملة أو محاباة لهذا على ذاك لأنّ ما في الآنية يجمعنا كلّنا و البيت الّذي فيه المائدة يأوينا كلّنا..وأنا في الأخيرابن بلدي كما هو حالكم و لا فرق بيني و بينكم في شأنها وخيرها
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس
Reactions

تعليقات