القائمة الرئيسية

الصفحات


السّونس انتردي 33
أحس "حمدان " بفوران في جسمه فلم يعد يدري ماذا يقول فالنّهار مشؤوم من صباحه . التفت الى صاحبه خلف الله وأعلمه أنّه لم يعد يتحمّل وهو يشعر وكأن روحه ستغادره فحتى وضوءه انتقض وقد كساه العرق بأكمله وراح يحوقل ويطلب اللّطف .
اقترح عليه "خلف الله "ان يرافقه الى حمام "الحاج حسين "بحي الصلاح ليأخذ حماما ينعش جسمه ويريحه بعض الشّيء
رحّب" حمدان "بالفكرة لكنّه يفضّل الذّهاب ألى حمّام" الحاج صميدة "فهو قريب وأكثر حرارة من "حمام الحاج حسين "الواسع ولكنّه بارد "
و حمام "الحاج صميدة " حمام عربي قديم قريب من الجامع قِبلي المدخل " شِرْه" ببابه الخشبي الأزرق وعتبته المقوّسة التّي تنفتخ على استراحة صغيرة بها "متكى" رخامي وباب بمصرعين يضفي ألى قاعة الاستقبال.
وتجد على يمينك " الكاسة" يجلس اليه الحاج أو المكلف بشؤون الحمّام يستقبل الزبائن
و "بالكاسة" دُرْج خاص يخبّئ فيه الحاج حاجات المستحمّين الثّمينه كساعة أو محفظة نقود أو "زمام" به بطاقة تعريف أوبعض الأوراق
وتجد وراء " الكاسة " " طارما" وهي رف خشبيّ كبير يحوي عددا من "الفوط "القماشية من نسيج قصر هلال مخططة بألوان يغلب عليها الأزرق والوردي . يستعمل المستحم واحد ة منها كإزار عند الدّخول للاستحمام أما عند اتمام استحمامه فيستعمل اثنين ، كازار ورداء و يتنشّف بهما ويستريح فيهما إلى حين ارتداء ثيابه .وقد منعت السلط الصّحيّة استعمال هذه "الفوط" لما يمكن ان تسبّبه من أمراض أونشر للعدوى.
لكن صاحب الحمّام يخفي بعضا منها لأحبابه وللذين يأتون للاستحمام دون تبّان.
وقاعة الاستقبال تحيط بها سدّة ترتفع مترا تقريبا في أسفلها عدد من الطاقات لأحذية المستحمّين . وفي أعلاها مرفع خشبي يعلّق ويوضع عليه الثّياب تتخلّله نوافذ صغيرة
وتفرش السدّة بالحصر وتحاط ب"الأقيسة" وبعض الوسائد كي يجد المستحم راحته فيستلقي حتي ينشف .
وتتوسط سقف القاعة قبة بها أربع نوافذ ذات البلور المطروق الأخضر تتدلى منها ثرية صينية الصنع بها ثمانية فوانيس .
وعلى يسار القاعة، باب مشدود الى حبل مشدود الى بكرة ومشدود الى ثقّالة تعمل على ترك الباب مغلقا إثر الدّخول أوالخروج كي لا يتسرّب الهواء البارد الى الحمّام .
ويضفي بك الباب الى غرفة "الطيابة " و بها سدّة رخامية ومقصورة بها مرحاضان وباب تلج منه الى الغرفة الباردة وهي أوسع قاعة في الحمّام بها أربع" مطاهر" في كل" مطهرة" صنبور ماء ساخن وصنبور ماء بارد .
وفي الطّرف الآخر من الغرفة الباردة مصطبة رخامية إلى جانب حوض وحنفية الماء البارد الى جانب أخرى للماء الحار ومدخلا دون باب يؤدي الى" البيت السّخون"
دخل حمدان وفي قدميه قبقاب خشبيّ ومن ورائه خلف الله ممسكا بيده على الفوطة خشية أن تقع وحريصا على أن لا ينزلق به القبقاب فيقع .
وتذكّر نفسه حين لبس القبقاب هذا الصباح ، وما جرى له مع حمار "مسعود الكرارطي" و "مسعود" نفسه وتذكّر أنه نسي فردة القبقاب في حانوت "الحاج محمود الملاخ" وكان الأجدر به أن يعيده الى الجامع وتذكّر أنه لم يصل لا الفجر ولا الصّبح فاستغفر وقد خامرته فكرة حتى وإنّ صلى فهل صلاته صحيحة ؟ فأستغفر ثانية متمتما "جماعة أوباش مش يكفرونا عقاب العمر"
فسأله حمدان "آش قُلت يا حاج "
فغير خلف الله الحديث وأجابه "الحمّام بارد" فعلّق عليه حمدان
"حتى هو فارغ ما فيه حد كان نحنا " وأضاف "مليّ نحو منو الحوض فسد ، كان الواحد يعبيه بالماء السخون ويدخل يكمد عظامو"
وتساءل خلف الله "حتى الطيّابه ماثمه حد؟ "
فأجابه حمدان"اش عندك فيهم كان ما جاء حد توّه نحكلك نايا"
فردّ عليه خلف الله "لا ناي مشني موسخ كان ظهري و قلت يعملي تكسيلة "
وبدأ ينادي بأعلى صوته " يا حارز ... ياحارز ... "
فدخل شاب به عرج خفيف وعلى يده بعض الفوط وقد سبقه صوته "هاني جيتك ... هاني جيتك"
فأمره " خلف الله" سخن الحمام و"جيبلي طرف صابون"
فردّ عليه الشّاب" كانش نجيبلك كعبه شمبوا" ,وأخبرهما أنه وضع لهما فوطا
على باب المطهرة .
سأل حمدان الشّاب عن غياب" الطّيابه" فأخبره أنّهم "مقرّفين يحبّو على الصّبان"
وصاحب الحمّام رفض اي تغطية اجتماعية لهولاء . فهم لا يشتغلون عنده بل يقدّمون للحرفاء خدمات ويتمتّعون بالأجرة التّي يحصلون عليها لوحدهم
فردّ عليه خلف الله "حمّام بلاش طيّاب كى بيه كي بلاش جيب لي كعبه شمبوا " وقطع الحديث معه وعبأ سطلا ماء ساخنا وضع فيه قدميه بعد أن جلس على حافة المصطبة وانهمك يحكّ جسمه والعرق يتصبّب منه وفتائل الوسخ تتجمّع تحت أصابعه .
أما حمدان فقد اقترب من شبّاك حديدي يعزل فوهة" النّحاسة "وألصق ظهره به وهو يردّد "مازال ما سخنش "
يتبع
نصر العماري
Reactions

تعليقات