القائمة الرئيسية

الصفحات


"السّونس انتردي "30
في تلك اللحظة توقّفت سيارة بيضاء اللّون نوع مرسيدس ذات البلّور العاتم تحمل لوحة منجمية زرقا ء . انخفض بلور الباب الخلفي الأيسر وراء السائق ، فظهرت لحية كثّة تخطّها خصلات شعر أشيب ومن فوقها أنف مفلطح عليه نظارات سوداء أزاحتها بكل لياقة اليد يمنى في بنصرها خاتم ذهبيّ مرصّع بحجر أزرق ممتزج بالسّواد . وبرزت عينان جاحظتان لوجه مستدير تعلوه تجاعيد الجبين وشفتان بهما عوج أحدثه حجم السيجار الفاخر وانفتحت الشّفاه لتكشف عن أسنان فلجاء وانبسج منهما
صوت رخيم "أنتِ يا " وهو يشير لـ"عزالدين"
فأسرع اليه هاشا باشا وأدخل رأسه من النّافذة البلورية وقبّل يده . ولسانه يلهج " أهلا ياشيخ ... زارتنا البركة يا شيخ ... طلع البدر علينا يا شيخ ... اللهم صلى على سيدنا الشيخ ..."
فقاطعه الشّيخ " أنا راضي عليك وربي راضي عليك ... ما عندناش وقت ، نحب الأمر يتم اليوم في صلاة الظهر نحبّو نطهروا بيوت الله " ومدّ له حزمة من الأوراق النّقدية ذات العشرين دينارا أوراقا نقدية جديدة. وأضاف له هامسا "لا تبخل بالقفّة ومساعدة أصحابنا "
وودّعه . وانطلقت السيّارة تشقّ صفوف المتسوّقين في اتجاه "حي جلاص" طريق حمام سي عمر .
كان عبد الرّحمان يشاهد ما يجري فاغر الفم ولعلّ ما زاد استغرابه لفّة النّقود التي دسّها "عزالدين " في جيبه وهو يسأله في حدّة " آش بيك ماهو لباس؟"
فأجابه " لا شيء ماشي نعمل كعبات "
فردّ علي "عز الدين" مبتسما "صحّة ليك" وتدارك "اسغفر الله استغفر الله"
وانطلق عبد الرّحمان راجعا . فتجاوز "مخبزة المسعودي "وانعطف شمالا فتجاوز دار لجنة التنسيق الحزبي وجامع الرّحمة وأنعطف في اتجاه بناية المستشفى القديم وتجاوز قسم معالجة الاطفال وقسم التنظيم العائلي وقسم الصّحة الأساسية ولاح له من الجهة اليمنى أحد اعوان الحرس الوطني بزيّه السّماوي يقف أما م مركز الأمن يتفحّص المارّين فوقعت عيناه على عبد الرّحمان فاشار اليه بسبابته مناديا فالتحق به بسرعة ودخل وراءه
جلس الضابط إلى مكتبه و"عبد الرحمان" ينظر الى النّجمة الذّهبية التى توشّي كتفه فعلم أنه تحصّل على ترقية في سلّمه المهني فبادره قائلا ليخفي اضطربه فهو لا خشى كيد الكائدين ولكنّه يخاف من أولاد الحلال على حدّ قوله
"مبروك سي عارف التّرقية الجديدة " و الظنون تأخذه هل اكتشف أمر ه ؟ أم هي "الكلبة طليقته اشتكته فمنذ سنة لم يدفع لها مليما "
اقتطع الضّابط الاستدعاء وعيناه تتفحّص "عبد الرّحمان" ومدّه له قائلا" يبارك فيك مرتك شاكية بيك على النّفقة. ما تحشمش مهمّلها مع زوز صغار قاعدة تدور من حومه لحومه ياكريم متاع الله"
فأجابه "سي عارف ما عادش مرتي ...مطلقين ... وهي را هي تكّز مشي تطلب " فرمقه الضابط بنظرة احتقار وعوّج فمه قائلا:
"اعطيها نفقتها ونفقة صغارها و إلا تدخل الحبس ،عندك جلسة الخميس الجاي "
فغادر عبد الرّحمان مركز الأمن ممسكا بالاستدعاء بعد أن أمضى باستلامه وهو يردّد حاضر "سي عارف" نعطيها ... حاضر نعطيها ... الكلبة ولت راس ... الكلّه من الأفعى أمها"
وتسارعت خطواته فانعطف شمالا وتجاوز محطة النّقل الرّيفي والمستودع البلدي" السنطرة" سابقا . حتي وصل الى الحديقة العمومية المحاذية لسوق الخضر الأسبوعي.
ولاح له كرسيّ اسمنتي شاغرا تحت شجرة" أكاسيا" بقرب الباب الغربي فتهالك عليه وهو يتمتم ويشتم النّساء ومن كان سببا في تحكيمهن في رقاب الرّجال وتذكّر سيدنا قال أنّهنّ ناقصات عقل ودين وأنه لا ينفع معهنّ " الا الرّك والصّك" فلعنة الله على من أعطاهن الحريّة .
وتذكّر أن هذه الحديقة العمومية هي لامرأة من أعيان المدينة تبرّعت بها للمجلس البلدي فهب ّ واقفا ساخطا مقسما "بالحرام لا عدت نقعد فيها منين نتحرك نلقاهم قدّامي"
وأسرع يحثّ الخطى نحو " نزل زاما." وقبل أن يلجه التفت وراءه لبناية قصر العدالة
واستعاذ من الشّيطان الرّجيم مردّد ا " الرّاجل يموت في هالبلاد... حتى" حنبعل" كمبنولو وقتلوه "
ها البلاد ما يعيش فيها كان البرّاني ... نعلبوك يا دنيا "......يتبع
نصر العماري
Reactions

تعليقات