القائمة الرئيسية

الصفحات

هنا مات وطني (الفصل الثاني عشر ) - مهند كريم التميمي


وحين عدت من الحمام كنت أخطو بالممر المؤدي ألى باب غرفة التحقيق طرقته ، برفقتي الشرطيان المرافقين لي تبادر ألى أسماعي صوت نحيب وعويل وأذا بصوت المحقق يتعالى بالتهديد والوعيد ، أنطقي بكل ما تعرفينه من صغيره وكبيره وكيف سلكت هذه الطريق ووصلتي ألى ما أنتِ عليه ، حينها كنت وصلت ألى الباب طرقته ، سمعت صوت المحقق يأذن لي بالدخول ، وأذا بأبنتي تجلس مقابله تفصل بينهما طاولة وهو واقفاً يستند عليها وعيونه تحدق بها غير أبه بي ، وهي تبكي بحرقة وندم وحين رأتني أشقعر بدنها أشمئزازاً من رؤيتي ، وصرخت بحالة هسترية أخرجوا هذا الرجل وألا قتلت نفسي في الحال ، رمقني المحقق بنظرته اللتي قسمت ظهري ألم تسمع ماقالته أبنتك بصوتاً لايخلو من النهر الغيظ أخرج وأغلق الباب خلفك ، وغير مسموح لك بالدخول حتّى أطلب منك ذلك ، حينها طأطأت رأسي ورجعت خطوة ألى الوراء وأغلقت الباب وجلست بأقرب كرسي ألى الباب ، وبعد الصمت اللذي يسبق العاصفة هدر صوت المحقق في وجه أبنتي ألا يكفي هذا الصمت ، تحدثي وألا جعلتك تتعفنين في السجن وتتمنين الموت ولا تصلي أليه ، حينها نطقتُ ، سأحدثك بكل شيء فأن الصمت لم يعد يجدي نفعاً ولن يغير ولايبدل من الواقع بشيء ،،،،،،،،،، ذات مساء عاد والدي برفقة أحد أصدقائه ، و بعد دخولهم الى غرفة الضيوف ، نادى على أمي لا أعلم حينها ما الأمر ، أو ما سبب زيارة ذلك الضيف ، و بعد يوماً طلبت مني أمي أن اوافق على الزواج من ذلك الضيف ، اللذي كان يبلغ من العمر ما يقارب الستون عاما و نيف ، و بعد حواراً طويل مع أمي كنتُ أرفض الموافقة من زواجي له ، هل من سبب يذكر ، لا أعلم غير أني مهما كبرت سأبقى طفلة صغيرة ، و أنا في حضن أمي الحبيبة العليلة ، كنتُ أخشى الأبتعاد عنها بسبب عنف أبي و تهوره الغير المحدود اللذي نراه بأم أعيينا كل ليلة منه ، وبعد مرور أيام ليست بعديدة نادت علي أمي في غرفتها و كانت حالتها الصحية غير مستقرة قائلة ، أبنتي أرتجيكِ أن توافقي على زواجك من هذا الرجل فأنا لن أدوم لكِ وقت طويل ، و أنتِ تدركي جيداً ماذا سيفعله بكِ أبيكِ من بعدي ، حينها عدتُ ألى غرفتي حيثُ أرتميت على فراشي باكية بحرقة مؤلمة شعرتُ حينها ، بأن أمي قد بدأت تعد أيامها القليلة من ما تبقى من عمرها و ليس لي سنداً بهذه الدنيا سواها , أمضيتُ وقتُ طويلاً بالبكاء حتى غفوت من شدة الأعياء و الأرهاق و ثورة بركاني اللذي بعثر كل شيء بي ، و بعد مرور ساعات طويلة نهضت من فراشي و كانت حالتي صعبة جداً كأن هناك شيءً ما يقبع على صدري و كان الصداع يزلزل أركان رأسي و عيناي النحيلة تمتلئ بالدموع و الكثير من الكحل الأسواد ، خرجتُ من غرفتي ذاهبتاً الى غرفة أمي طرقت الباب حتى سمعت صوت أمي يأذن لي بالدخول ، فتحت الباب قلت لها أماه أنا موافقة على زواجي من ذلك الرجل المسن ، ثم عدتُ الى غرفتي باكيةً من جديد , و بعد أيام أخبرني أبي بأن الرجل سيتزوجني في نهاية الأسبوع , حينها كنتُ متيقنة بأني لن أذق طعم الراحة يوماً معه ، بدون أمي ، فحاولت حينها أقناع نفسي بأن الحال قد يتغير ذات يوم لكن بلا جدوى و هذا مصيري سأقبل بهذا العذاب الطويل شئتُ أم أبيت ، و بعد أيام قليلة جاء الموعد و كنتُ أنا أعيش بحالة مذرية ما بين اليأس و عدم الشعور بالحياة ، كأنهم كانوا يودون تشييع جثماني و أنا مازلتُ على قيد الحياة ، و في المساء جاء الرجل و كان بصحبته شيخ ليعقد القران ، و كانت أوصالي ترتجف و تأن من شدة الخوف و البكاء ، و الأجواء من حولي كانت خالية من الحياة أشبهُ بمدينة قتل جميع سكانها و أنفضت بيوتها لا تسكنها سوى الأشباح ، حينها تم عقد القران و أصبحتُ زوجة لذلك المسن ، و بارك لي أبي اللذي باعني بثمن بخس من أجل أرضاء شهواته ، و أمي اللتي كانت تبتسم في وجهي و في داخل صدرها مئات الحسرات و الألالم ، و زوجي المسن كان ينتظر موعد الرحيل بفارغ الصبر كي يفض بكارتي بصورة قذرة ووحشية بالغة ، كي يدمر ما كان يتبقى بي من حياة ، حيثُ يرمي بي كجثة هامدة على أطراف السرير ليس لها القدرة على الحراك و المقاومة ، و عدم الوقوف من جديد ، حينها تيقنت بأني لم أعد صالحة لشيء أو ربما أصبحتُ كدمية خالية من بهجة الحياة ، لا ترى لا تتحدث لا تسمع شيءً , و بعد مرور بعد الوقت طلب مني ان نغادر الى بيته الجديد حينها حملتُ حقابي دون وداع أحد من أفراد عائلتي , ثم خرجتُ و انا كالطير المذبوح من الوريد الى الوريد ، دون النظر ألى أي أحداً منهم أو حتى الألتفاف ورائي , كان يتحدث معي طول مسافة الطريق و كنت انا فعلاً كتلك الدمية فاقدة الروح اللتي ليس لها كيان او شعور او احساس بأي شيء حتى الوصول الى باب منزله ، حينها نظر ألي مبتسما قائلاً سأمنحكِ كل شيء حتى تمنحيني قلبكِ يا أيتها الحسناء الجميلة , ولم أسمع ما كان يردده أو حتى الشعور بتواجده ألى جانبي ، حضرة المحقق أطلب العودة الى زنزانتي للأستراحة حتى يوم غد صباحاً ، فأنا مرهقة لا أستطيع أكمال الأستجواب أو النطق بأي شيء من شدة التعب , حينها سمح لي بالذهاب و أعادتي باليوم التالي ..
مهند كريم التميمي
Reactions

تعليقات