القائمة الرئيسية

الصفحات


آثار أقدام
عثر على آثار أقدام في حديقة منزله وهو للعلم منزل محاط بسور عال ومن المفروض يصعب في حقيقة الأمر اجتيازه. راح يبحث ويتجوّل علّه يعثر على صاحب الآثار لكن بدون جدوى . ثمّ اهتدى إلى أنّ هذه الآثار قديمة ولكن لم تمحوها لا الأمطار ولا ما قام به أفراد العائلة من أعمال في الحديقة، فزادت حيرته خاصّة وأنّ هذه الأرض عزيزة عليه إلى حدّ أنّ كلّ شبر منها لا يمكن أن تعوّضه أموال الدّنيا عنده. كيف تداس أرضه وهو نائم؟ كيف يخترق منزله وهو يسكنه والمفروض أنّه يحميه؟ يسأل أفراد العائلة عمّا رآه في الحديقة فيجيبونه بأنّهم لم يلاحظوا ما لاحظه. ثمّ إنّهم لا يهتمّون بذلك طالما لم يطلهم ضرر مباشر. تزداد حيرة صديقنا فيغمره الخوف على الدّار ومن يسكنها . أراد أن يقنع أهله بأنّ هذا الفعل معناه خطر مبيّت وقد يكون المستهدف أيّ واحد من العائلة او كلّ العائلة أو ربّما العائلة وما جاورها . وأنّ المنزل حرمة وإذا لم يحرصوه فكأنّهم فرّطوا في حرمتهم وعرضهم ومن فرّط في حرمته جازت إهانته ودوسه أكان ذلك عمدا أو سهوا فلا يكون له أثر بعد ذلك. تكلّم كبير العائلة ليهدّأ من وطأة الموقف. فقال: " خوفك في محلّه وحرصك وحزمك مطلوب دائما يا بنيّ، لكنّ تلك الآثار ليست لغريب أو مخترق وهي هناك منذ زمن، ولم تنتبه لها من قبل، وقد يكون هناك ما أثارك فانتبهت لها الآن " فيسأل صديقنا :" لمن تكون إذا ؟" فيجيبه الشّيخ :" هي آثار الأجداد طبعت على كلّ شبر من أرضنا حتّى تذكّرنا بأصلنا وحتّى تثبت أنّها لنا وحدنا وليست لغيرنا وعلينا أن نصونها دائما وأبدا ونتذكّر كيف آلت إلينا وما فعله الأجداد ليواصلوا المكوث فيها حتّى سلّموها لنا" ودورنا أن نسلّمها لخلفنا بما أضفنا لها ممّا يجمّلها ويصونها كما فعل أسلافنا. فيتوه الفتى أمام هذا الجواب ويتذكّر طمع العديد من الغرباء في أرضه ومحاولتهم السّطو عليها حتّى أنّهم زرعوا الوهن في أهله وعدم المبالات بما يحدث فيها أو بالقرب منها فإذا بهم زاهون بما لديهم وشاردوا الذّهن عمّا ينتظرهم من هنا وهناك. وهم سائحون على أرضهم يودّون تركها وقد يستحبّون اذلالها. بصمات الأجداد لا تمحى فهي أصليّة وعميقة وليست سطحيّة . لذلك كان صديقنا تائها عنها في البداية لكنّه انتبه لها في الأخير.. انتبه لها وزعزعت كيانه فراح يبحث فيها فجاءته الإجابة. ومع ذلك أو بالرّغم منه بقي السّؤال :" ما الّذي حدث ليتفطّن الآن ولم يتفطّن من قبل؟ " الذي حدث هو أنّ تلك الآثار أي نعم هي قديمة وأصليّة لكن هناك من نبشها وحاول خدشها. وبالقرب من ذلك المنزل والّذي يحيط به سور عال منازل أخرى مسيّجة بها آثار عميقة وأصليّة داهمها اللّصوص واستباحوا حرمتها والغريب أنّهم وجدوا "طابورا خامسا " ينتظرهم ليتيح لهم كلّ الفرص . هذه المنازل الّتي انتهكت قريبة جدّا من دار صديقنا وقد يتمكّن السّراق من دخول حرمته لأنّ بعض أهله لا ينتبه إلى ما يحصل في الجوار . وحتّى آثار أجدادهم لم تسترع اهتمامهم. صديقنا بدأ يهتمّ ولكنّه مازال لم يقنع أهله. مازال لم يقل كلمة تعيدهم للرّشد. صديقنا استعاد وعيه وانتبه أنّ حيازته للمكان باتت مهدّدة بفعل اللاّمبالات بالأصول.. بفعل الانبتات والسّعي وراء مصالح ذاتية.. بفعل الانبهار غير المبرّر بالغير.. وبفعل الدّوس على القيم الّتي تحتاج لتأصيل جديد فينا. فهم صديقنا أنّه قد يحقّق "نجاحات" خاصّة لكنّها لن تستمرّ طالما لم تجد لها انعكاسا على النّاس من حوله. قد يصيب مصالح ويستفيد عندما يتناسى الآلام من حوله لكنّ آثار ما قد يصيب من مصالح لن تدوم ولن تتأصّل كما تأصّلت آثار الأجداد. وفهم صديقنا أيضا أنّ اسمه وتقاسيمه وما يختلجه من مشاعر فعلت فيها آثار الأجداد قبل أن يتأثّر بغيرها رغم انّ الدّخيلة فيها ما يزيد لشخصه . فهم أخيرا أنّه كي يتفاعل مع الآخر بجب أن يكون له أصولا ينطلق منها فلا يتوه في الجديد وينسى القديم ولا يلبس قبّعة لا تناسب مقاس ما يحمله من جذور وأصول. صديقنا تعلّم أنّه يجب أن يتعامل مع الأخر معاملة الأنداد كي يستمرّ في الزّمان والمكان وحتّى لا تتحوّل بوصلته. من هنا سيعمد صديقنا إلى ترتيب البيت وتهيئته لقبول من يتعامل معه على أسس يقبل بها هو ولا تستنقص لا منه ولا ممّا يؤمن به ولا ممّا يملك ويريد حمايته بكلّ ما أوتي.


رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
Reactions

تعليقات