القائمة الرئيسية

الصفحات



تحبّ كما يحبّون وربّما أكثر . تحترم كما قد يحترمون أو أكثر . تمدّ يدك بأخلاق حميدة وقلب صاف لا غاية لك من وراء ذلك وقد تتشابه في ذلك مع النّاس وقد تكون أنقى وأصفى . وفي واقع الأمر تتلقّى الصّدمة تلو الأخرى وتجد الصّدّ والنّفور ممّن كنت له أقرب . أي نعم ستجد من هم يعاملونك بصفاتهم وأخلاقهم البشعة فلا تستغرب ولا تذهل فالأمر من مأتاه لا يستغرب ثمّ إنّك سوف تكون مهيّأ لهكذا تصرّف ومعاملة. لكنّ المؤلم أنّك ترتمي بتلقائيّة وعفويّة في صفوف يتبعثر فيها كلّ ما اعتقدته أنّه الصّواب وتقول فيه أنّه لا حساب بين الأصحاب لتتفطّن بعد ذلك أنّ تلك الصّفوف لا تؤمن بما اعتقدته صحيحا وأنّ خطواتك لا بدّ أن تقيس حجم مدّها قبل الغوص في أيّ سجال.. وأنّ النّواميس الّتي أردتها أن تحكم علاقاتك دائما تحتاج لمراجعات وتحقيق . فللجار هو ذاك الّذي تستند عليه في عسرك ويسرك ولا الصّديق هو ذاك الّذي تفشيه سرّك وتطمئنّ أنّك في أمان . كنّا في حاراتنا إذا ما اجتمعنا ولعبنا الكرة ومرّ أحد كبار السنّ فقال " خذوا كرتكم واذهبوا بعيدا " فلا تسمع منّا ردّا غير الرّحيل بعيدا عن الحارة أو استبدال المكان بمكان لا يمرّ منه كبارنا . كانت النّسوة تجتمعن في حلقات تدوم لساعة وأكثر أمام بيت احداهنّ ولا يمكن لأحدنا من الشّباب أو صغار السّنّ أن يرفع صوته أوحتّى عينه .كان الصّديق يعودك إذا ما مرضت وتستأمنه على كلّ دقائقك . كانت بنت الجيران تتواصل معك على أنّك أخوها وقد تطلب منك ما قد تطلبه من أبيها أو أخيها. كان الجائع لا يمكن أن يبيت جائعا فهو العيب كلّ العيب أن يجوع الجار وأنت الّذي بجواره تنعم بلحم وسمك وغلالا في افطارك أو عشائك. كان المعلّم أو الأستاذ قيمة ومثلا لا يمكن المساس بها أو حتّى الجرأة على التّفكير في ذلك..كان ..وكان..وكان. فأين ذهب كلّ ذلك؟ أين أصالتنا وهي الّتي لا يمكن أن تعيق تقدّمنا؟ أين قلوبنا الّتي ترتجف خوفا على الصّديق والجار و..و..؟ اما آن لألمنا هذا أن يقف؟ أما آن للشّيخ والمعلّم والأستاذ أن يوقّروا؟ آلامنا سهلة العلاج ولا تحتاج إلى طبيب. آلامنا تحتاج للحظة صدق ورؤية نافذة فما من مصلحة تتحقّق على حساب آخر سوف يردّ الفعل لتحقيق مصلحة على حسابك . ما من غاية تدرك وتنجح وغايات النّاس من حولك لم تدرك . ما من قيمة ترفع والقوم من حولك دنّست قيمهم . ما من ألم يشفى وآلام النّاس متأجّجة.
-------------------------
رشدي الخميري / جندوبة / تونس.
Reactions

تعليقات