القائمة الرئيسية

الصفحات

هنا مات وطني (الفصل الرابع) - مهند كريم التميمي



الفصل الرابع من قصة / هنا مات وطني ..

ذات فجراً صاخباً وجدتُ نفسي مثقل الرأس نحيل الجسد مخنوق الصدر لا أعلمُ ماذا يجري لي ، قد أكون متعباً بعض الشيء ، أو ربما أصبتُ بهلاكٍ جزئي ، أو ربما أعاني من حمةً دمويةً حادة أصابت جميع أركان رأسي بالهذيان ، لا أستيطع حتى رفع رأسي عن وسادتي أو حتى أستطيع النظر من حولي ، حاولتُ الأتصال بأحد الرفاق كي يساعدني أو يحاول الأتصال بالأسعاف بعجلة كي يسعفني لأحد المشافي القريبة من منزلي ، و بعد الأتصال أخبرني هاتفه عذراً رفيقك المطلوب هو خارج نطاق الكرة الأرضية ، حينها نظرتُ الى شاشة هاتفي ثم قلت ، هل جن جنون البريد الصوتي أم أنني بدأتُ أهذي من شدة حرارة جسدي و الصداع اللذي يفتك برأسي ، حينها حاولتُ الأتصال بشخص أخر ، ثم أخبرني مجدداً ، عذراً رفيق دربك المطلوب هو يعاني من حالة مأساوية كبرى يصعب عليه الرد حالياً ، قلتُ لنفسي سأحاول أغلاق هاتفي و أعادة تشغيله من جديد لربما أصابهُ الهلاك كما أصابني ثم أعاود الأتصال من جديد عسى أن يرد علي أحدهم كي يسعفني ، و بعد مرور وقتاً قصير و أنا أعاني من لهيب تلك النيران الحارقة التي تلتهم جميع أجزاء بدني ، حاولت الأتصال مجدداً ، و كان الرد جميع الخطوط مشغولة تحت العناية المركزة بالوقت الحاضر ، لا أعلمُ حينها ماذا أصابني غير أني أشعرُ بالوحدة و اليأس الكبير ، توقعت بأن جميعهم تخلى عني و لا يودون مساعدتي ، رميتُ هاتفي فحاولتُ النهوض كي أستطيع أرتداء ثيابي كي أذهب الى أحد المشافي القريبة مني و كان جميعي يرتجف من الحمى اللتي تغزوني بطريقة مخيفةً كأنها تود القضاء علي ، و بعد خروجي من منزلي تفاجأت بأن الطريق خالي من جميع سكان بلدتي ، لا عابر سبيل يمرُ من جانب الطريق ، أو أي طفلً كان يحملُ في يده قطعت حلوة ، أو حتى أمرأة كانت عائدة من مشوارها ، تسألتُ مع نفسي ماللذي يجري هل أعلن من خلاله حظر للتجوال بسبب كارثة جديدة ، أو هناك شيءً كارثي محتم أعلن من خلالة حظر التجوال ، أسألة كثيرة تراودني ، لكن للأسف الشديد لم أحصل على أي رد ، حاولت حينها أستقل الطريق المؤدي الى أقرب مشفى من منزلي سيرا على الأقدام ، و أنا متعباً جداً لا أستطيع حتى أستنشاق الهواء كأن أحدهم يفترش صدري يقبض على عنقي بيداه يود قتلي دون مبرر أو حتى سبب ، تابعت السير أتلفت يمينا و شمالا عسى أجد أحداً يساعدني ، لكن لا جدوى ، لا فائدة من تلك المحاولات الفاشلة ، اللتي حاولت أسعاف نفسي بها ، وفجأة ضاقت بي الدنيا حتى شعرتُ بأن روحي المسكينة تود أن تنتزع من جسدي ، حتى سقطتُ أرضٍ أعاني ما أعانيه من شدة الصداع و الألم ، كأن سكرات الموت ونهايتي المحتومة أقتربت ، كان كل شيءً من حولي يتحول من شيءً الى شيء و كانت الأجواء مترمدةً رماديةً سوداء ، صرخت حينها بصوت عالي يا ألهي أنا أستنجدُ بك فأرجوك ساعدني في محتني ، و أرحم ضعف بدني ليس لي أحداً سواك ليساعدني ، بكيتُ حينها و أنا أصرخ ، و أصرخ ، و أصرخ ، من تلك اللحظات المؤلمة التي لا أتمناها لأحداً أبداً ، حاولتُ أن أسند نفسي بنفسي للوقوف مجدداً و كنتُ متيقناً بأني سأفارق الحياة قريباً و إلا بعجلة الأسعاف تمر أمامي بسرعة فائقة متجهة بذلك الطريق المؤدي الى المشفى و كان أحدهم يناديني من داخلها عن طريق مكبر الصوت تحمل قليلاً فقط سأعود حالاً لأنقاذك ، حينها لم أصدق أو حتى أكذب نفسي أو أكون حتى متيقن بأنني بكامل قواي العقلية هل ما حدث هو حلم أم حقيقة و أنا أصارع الموت و بما تبقى من قوة في جسدي أعاثر كي أستطيع البقاء على قيد الحياة ، و بعد دقائق قليلة عاودت سيارة الأسعاف مسرعةً لأنقاذي ، و ما بين الواقع و الصراع الدموي أصبتُ بالأغماء و الغثيان ، فقدتُ الوعي حينها و لم أشعرُ إلا و أنني مستلقي على نقالة الأسعاف و كان المسعفون يهرولون بي داخلين الى المشفى ينادون بأعلى أصواتهم هناك حالة جديدة نرجو اللحاق بها قبل فوات الأوان ، تصورت بأنهم يتحدثون عن أحداً غيري ، كانوا يرتدون ملابساً غريبة الشكل و يضعون على رؤوسهم أقنعة الوقاية من مواداً جرثومية أو السموم ، لكن لا أعلم لما كل هذه الضجة التي تحدث في بلدتي هذا الصباح ، و حين قدوم الأطباء و الممرضين و بعد تحويلي من نقالة الأسعاف الى سرير العناية و هم يعانون من لحظات هلع كبير و كانت وجوههم تكشف عن ما في داخلهم من خوف و أرباك شديد ، و بعد الكشف علي و أعطائي بعض الحقن غفوت دون دراية من أمري ، و بعد مرور الوقت صحوت مفزوعاً على أصوات بكاء نساء بالقرب مني كانوا يتحدثون بطريقة جنونية مع جثتهم الهامدة التي فارقت الحياة دون معرفت أسباب وفاتها ، سمعتُ أحد الممرضين في الردهة يقول لأحدهم سنحاول نقلها الى ثلاجة الموتى عسى أن نجد مكاننا لها ثم حملوها وها هي الكارثة قد حلت ، كانت الردهة تعجُ بالصراخ و البكاء من قبل أفراد عائلتها ، حاولتُ رفع رأسي لمشاهدة مايدور حولي وقد حلت الكارثة على العالمين جميعاً لم أستطيع وصف الشعور أو تصديق ما أشاهده بأمام عيني ، رأيتُ نساءً تقف بالقرب من باب ردهتي ترتدي ثياباً بيضاء يضعون على رؤوسهم الأقنعة حاملين في أيديهم دمى حزينةً بائسة تردتي على رأسها أقنعة لا أعلم ما أمرها أو حتى الكشف عن سرها ، و الأخريات ملقيات أرضً يصارعون الموت منتظرين لحظات أعلان وفاتهن ، و الأخريات ترمى جثثهن في أحدى زوايا الممر فارقن الحياة في أخر لحظات وصولهن ، ينتابني الشعور بالأرهاق و القلق و الكثير من الخوف حاولتُ حينها النزول من سريري كي أستطيع التخطي داخل ردهات المشفى للكشف عن ما يجري بها ، و عند وقوفي بالقرب من باب ردهتي سألني أحد الممرضين ألى أين ذاهب ..
قلتُ الى الحمام ..
قال أقضي حاجتك ..
و عليك العودة الى سريرك ..
حينها أتجهتُ الى المرافق الصحية خوفاً من اللحاق بي ..
حينها خرجتُ متجهاً الى ممر الردهات رأيتُ الجميع يعيش برهبة فظيعة و كان البعض يجري بسرعة و الأخر يسعف و الأخر يهوي تخونه قواه بالوقوف من جديد سألتُ أحد المارين من المرضى أو قد يكون مرافقاً لهم قلتُ له ماللذي حل بنا ..
قال لا أعلمُ شيءُ سوى سمعتهم يقولون بأننا مصابين بداء أو هلاك ..
قلتً و ماذا تقصد بالهلاك ..
قال على ما أظن أنه وباءً قاتل ..
قلتُ و من أين جاء هذا الوباء القاتل ..
قال لا أعلم سوى أني خسرتُ أمي و أختي و أخي و زوجتي ..
بكى ذلك الرجل ثم تركني مفجوعاً بالصراخ و البكاء ، و بعدها شعرتُ بأني لا أستطيع الأستمرار أو حتى أتحمل هذه الرهبة والفاجعة اللتي تجوب المكان هنا و هناك عدتُ الى سريري لأخذ باقي الدواء الذي وصفه الطبيب لي و خرجتُ منها هارباً الى منزلي لم اكن أصدق أني مازلتُ على قيد الحياة ..
بقلم الكاتب / مهند كريم التميمي !!
Reactions

تعليقات