القائمة الرئيسية

الصفحات

هنا مات وطني(الفصل السادس) - مهند كريم التميمي


و بعد تلك الأحداث الدامية اللتي مررتُ بها عدتُ ألى منزلي متعباً جداً كأني لم أنام منذ سنين فقررتُ حينها أن أدخل ألى الحمام لأغتسل و أمحي سحب الدخان اللتي أخفت ملامح وجهي من تلك الحرائق و السموم اللتي غزتنا في تلك المنطقة الموبؤة و ثيابي الممتلئه بدماء هولائك الأبطال و الكثير من بقايا أجزاء أجسادهم و رؤوسهم التي فتكتها تلك القنابل الدخانية , خلعت ثيابي ثم علقتها و لم أنوي غسلها أو حتى رميها ولن يمحى ذكراها وستبقى مخلدة في الأذهان و أن يكون لها قدسية خالدة في أعماقنا و متحفاً تأريخياً ليروى لأجيالنا القادمة و الزائرين اليها أحداث ثورة الشجعان , و بعد خروجي من الحمام ألى غرفتي و أستلقيتُ على سريري كانت الأحداث تعجُ في ذهني و كأني لم أعود حتى هذا الوقت و تعود أفكاري كشريط سينمائي يعيد المشاهد الأولى من تلقاء نفسه على كل ما دار هناك من تفاصيل ثوريتةً عميقة و عن الجرحى و الشهداء منهم اللذين سقطوا عنوة من أجل دفاعهم عن أرضهم و وطنهم و كرامة شعبهم و حرياتهم المسلوبة من قبل تلك الأجندات اللعينة , و ما بين تلك المعارك الطاحنة و بين ذلك الصراع الدامي و صورة الطفل الصغير ذو الأعوام الثمانية تقريباً كيف كان يركض هنا وهناك بين أزيز الرصاص ودخان الحرائق الملتهبة والغاز المسيل للدموع ليقوم بمدنا بالماء والمناديل الورقية غفوت وصورته لا تفارق مخيلتي غفوتُ أنا , و ما بين الأرهاق و الحلم فزعتُ مرعوباً على طرق أحدهم باب منزلي بصورة جنونية كأنه كان يطلب المساعدة العاجلة أو ملاحقاً من قبل أحدهم أو ربما حدث شيءً ما في الخارج جاء ليخبرني أو يحذرني منه , فحاولت حينها النزول من سريري مسرعاً لفتح باب منزلي وألا بالباب ينتزع من مكانه ويهوي أمامي و أذ بمجموعة ترتدي الزي الأسود يرتدون على رؤوسهم الخوذ الحديدة و الأقنعة المخيفة و في أيديهم الأسلحة مسكوني بهمجية ثم قيدوني ثم وضعوا رأسي بكيس أسود , قالوا هل أنت مهند , أجبت نعم أنا مهند , من أنتم و ماذا تريدون مني , حينها شعرتُ بدخول أحدهم قائلاً هل ألقيتم القبض عليه قالوا نعم , قام بلكمي على وجهي مراتاً عديدة حتى خرج الدم من فمي و أنفي ثم ركلني على صدري حتى أسقطني أرضاً حينها بكيت غيظاً من شدة الضرب اللذي قسم ظهري و الألم , حينها أقتادوني وهم يضروبنني بشكل مبرح إلى خارج منزلي ورموا بي في صندوق أحد سياراتهم ومضوا مسرعين لاأعرف وجهت مسيرهم , و بعد مرور برهبة من الوقت شعرتُ بأن السيارة توقفت بمكان ما ثم ترجلوا منها وقام أحدهم بفتح صندوق السيارة وهو يقول لما لانقتله ونرميه بالقمامة يرد عليه ليس الأن سنقوم بأستدراجه بالأسئلة ليبوح بأسماء الأخرين ونعتقلهم و بعدها سيكون مصيرهم جميعاً هذه القمامة العفنة , خفتُ حينها جداً وتسألت مع نفسي أيعقل كل من يدافع عن وطنه و شعبه يتم أعتقاله بهذه الصورة الوحشية البشعة ثم يتم قتله و رميه في القمامة , ما أقسى هذا الحال و ما أقبح هذا الزمان اللذي نعيشُ به , تألمتُ كثيراً و تمنيتُ بأني لم أعود الى منزلي وبقيت مع أخوتي في ساحة العز والكرامة لأحارب تلك المجاميع القذرة أو أكون شهيداً حي عزيز النفس مع اللذين أستشهدوا و لم يفارقون أخوتهم حتى هذا الوقت , حينها أغلقُ صندوق العجلة ثم أنطلقوا مسرعين الى مكان أخر ثم توقفوا و ترجلوا منها ثم أخرجوني ثم رموني كجثة هامدة على الأرض لا تدري ما حولها من شيء و أنا موثق اليدين و الأرجل محجوبة عني الرؤية من ذلك الكيس الأسود اللذي لا أرى منه شيءً أبداً , ثم ناديتُ حينها بصوت منخفض هل من أحداً هنا ليساعدني , لا أحداً يرد علي , ثم عاودتُ النداء مجدداً , هل من أحداً هنا ليساعدني , لا أحد يرد علي أبداً سوى أصوات تلك الصراصير اللتي كانت تملئ المكان من حولي , و فجأه شعرتُ بصوت أحدهم يقول لا تستسلم هم يودون أخافتك كي يحصلوا على ما يبحثون عنه كن قوياً فالله معك و نحن لن نخذلك أو حتى نتركك في محنتك أبداً , حاولتُ الجلوس حينها لم أستطع كي أسمع هذا الصوت بشكل أفضل حينها أستلقيت على ظهري ورفعت رأسي للأعلى قال لا ترهق نفسك فأنت تسمعنا دون أن ترانا ألا في أحلامك , قلتُ و من أنتم , قال نحن الشهداء الأحياء اللذين سقطوا في تلك المنطقة على يد الأشرار , قلتُ سجاد و حيدر , قال نعم , و معي الجميع نحن تعاهدنا بأن نكون بالقرب منكم في نومكم و صحوتكم و فرحكم , حزنكم , قلتُ كم تمنيتُ أن أكون شهيداً حي مثلكم , قال الله لم يكتب لك حتى هذا الوقت , قلتُ لما لم يكتبُ لي , قال لأنك الوحيد اللذي سيكتب سلسلة أحداث ما جرى ويوثقها و الكثير من أمثلنا , طأطأت رأسي حينها ثم التزمت الصمت , قال لا تحزن فكل شيءً في وقته جميل , و بعد مرور ساعات طويلة و أنا أعاني كطفلً صغير ما بين البرد و العطش و الجوع و ما بين تلك الصراصير اللتي تبحثُ عن طعام من شدة الجوع بين مفاصل جسدي , و بعد لحظات قليله سمعت قدوم أحدهم وبدأ بفك السلسلة وهو يخاطبني , هل أنت جائع , قلتُ أعاني من برد قارص و عطش و جوع أطالبك بفك وثاقي كي أرحل من هنا , قال ماذا ...... ثم ضحك بصوت عالي ثم قال هل أنت مجنون , حينها تيقنت بأني لن أخرج من هنا على قيد الحياة , بدأ يحوم حولي و هو يمسك شيءً ما في يده ليقوم بأرهابي و هو يضرب به على ساقه ثم يقول سأنهش لحمك و أخرجُ قلبك و أشرب من دمك , بدأتُ أرتجف من شدة البرد و الخوف و أفكر كيف سيكون شكلي و هو يمثل بي و يعبث في أجزاء بدني , ثم وضع قدمه على كتفي و هو يهزو بي قائلاً من الذي قادك الى العبث و الحرق و قتل أفراد مجموعتي , قلتُ أنا لم أعبث أو حتى أحرق أو أقوم بقتل أي فرد منهم , أجابني بصوت عالي لا تنكر و إلا قتلتك الأن و رميتك للكلاب , أجبتهُ بصوت عالياً جداً و أنا أبكي بحرقة على ماألت أليه و أرتجف وأقسم لك أني لم أقم بشيء سوى اني خرجت للمطالبة بحقوقي المسلوبة مع أخوتي , قام بركلي على كليتي ثم وجهي ثم صدري حتى تعب من ضربي ثم ,,,,, أغمى علي , و لم أشعروا حينها إلا بأصوات أشخاص في الخارج تنادي سيدي لقد تقدموا علينا و يجب علينا ترك هذا المكان ثم خرج مسرعاً و لا أعلم مالذي يجرى حينها , و بعد دقائق قليلة شعرتُ بيد سجاد الشهيد الحي يمررها على أنحاء جسدي و هو يقول ألم أقل لك لن نتركك أبداً لقد جاؤ من أجلك كي يفكوا قيدك و أسرك , و بعد لحظات سمعتُ بأصوات خارج المبنى تبحثُ عني لكنني لا أستطيع التحرك و التحدث من شدة الضرب المبرح اللذي أنهال علي و البرد المستشري في أوصالي , ثم دخلوا علي و أنا لم يتبقى مني شيءً سوى أنفاسي الأخيرة رفعوا عني ذلك الكيس الأسود و هم يقبلوا جبيني قائليين نحن أتينا من أجل فك أسرك ثم أخرجوني من المكان بشعارات نحن لن نغفر لهم و سنجعلهم يحلمون بالراحة و النوم حينها قاموا بأعطائي معطف و طعام و ماء ثم طلبوا مني جميعهم أن أعود للمنزل كي أعالجُ نفسي من تلك الجروح و الكدمات البالغة اللتي خلفوها بي ..

بقلم الكاتب / مهند كريم التميمي
Reactions

تعليقات