القائمة الرئيسية

الصفحات



بقلم د.هالة الهذيلي

مرت أيام الشهر الكريم مسرعة على غير العادة او هكذا خيل لأغلب شعوب العالم الممتلئ ايمانا وتحسبا وصياما، فلم تمتلئ مساجد الأرض بالحالمين بالمغفرة ولم ترتفع تهاليل التكبير في صلوات التراويح ولم تفتح مقاهي البلدة احضانها لمرتادي البحث عن الضحكة الفارهة.  احتشدت الأدعية الصادقة في حناجر المؤمنين ليلة القدر، وتضرع الضعفاء للرحمان كثيرا وطويلا لزوال العزلة واصطلاح الحال وتفريج الكرب وانهاء البلاء.
لقد امتلأنا حدّ الثمالة بالتعوّد المريح ...اللامريح تماما. فنصوم ونفطر ونقرا ونصلي ونبحر وننام ونعيد الصوم والقيام وهكذا مرت الاحلام مجنحة فوق سماء الحياة. وهي هنا ماتزال تتربع عرش اليومي بكل تفاصيله المريبة والفاتنة والحاسمة، وتخيرت لنفسها اركان للبوح والرقصة الخطية والاشباع الروحي المتزن. فانهارت حولها كل هواجس الوباء وما بدر منه من هلع وجزع وضجر وارتفعت عندها درجات الوعي بقيم الحياة ورهافة المسافة بين الأرض والسماء فلم تبالي ابدا بما يسقط من اعلى الخزانة ولا لتكسير ابريق الماء في غفلة من هذا الشارد والملتصق جسما وعقلا بشاشة التلفاز العملاقة. تغير في رمضان كل شيء ولم يختلف بدوره اي شيء غير الإحساس بما لم نتعود، قسرا لا إرادة. فكانت نشرات الأخبار متشابهة جدا وإشهاريات رمضان أصبحت متوائمة ومستلزمات الوقاية من كورونا الفتاكة، وتعمد البعض لباس الكمامات ذات العلامات التجارية المشهورة اللماعة. فأي لون في زمن ما بعد الكورونا؟ وكيف يمكنني هذه الليلة الجميلة في اخر أيام رمضان المحبوبة ان اقاوم سيل الكلمات الجارفة والأحاسيس المشتاقة. اشتقت لنفسي ولبواطن الاحساس الخالي من شوائب الاستغراب ولمتوقع ات لا محالة. وتخدرت في عقلي كل مواطن الفعل والعمل ونسيت ما انا عليه وكيف لي بإتمام منجزات العودة للدرس واطعام العقول الطالبة للعلم خارج حدود اللا استحالة. نظرت في ظروف العودة القريبة جدا بعد العيد وتساءلت هل سيكون اللقاء جافا كبرد ديسمبر وقوالب الثلج المذابة بيننا؟ سأدخل القسم وكلي فرح وخوف من الغموض المتسرب في بلادي الخضراء المتحمسة للفوز على جائحة الكورونا القتالة. وتتقاتل كتل السياسة بتونس والمتمعشين من خروقات قوانين البلاد، فيتلاعبون بها ويتفانون في صنع صور مضخمة عن مواطن حسن سير اوضاع الوطن. والمواطن اللا مواطن يتخبط في فاتورة الكهرباء المشتعلة السابقة لأوانها المعتاد والمشتاق لبلد تقسم فيها الارزاق وفرص الشغل بنوع ممتاز من المساوات.
دعينا سيدتي من صداع الساسة وحماقات اللا وطن، وانظري لهذا اللون في ليلة العيد الجميل لم يبق أحد في بيته، فم نخف من الوباء فالوضع تحت السيطرة والقلب السعيد فوق رصيف الشارع قبالة المخبزة، الكل خارق لنظم السعادة في زمان الكورونا بتهليل كبيرا والحمد لله كثيرا. انه عيد بطعم مغاير وبيوتنا لم تعد فقط للمضاجع بل هي مسرح للبحر والرقص والصلاة والاكل والصلح بعد الخصام... كثيرا. وعيدنا من شاشات هواتفنا يرفرف بشعور غريب وبزوغ شمس بنور جديد ونحن في ذواتنا ملتبسين بضرورة الاعتكاف المنزلي فنسوق حبنا ودعائنا وترحمنا لأعزاءنا وابائنا واشتياقنا لأهلنا وأمهاتنا واخواتنا، فنستمع لجمال دعوات القران في تلفازنا، ومشدودين بقلوبنا لأملنا الدائم بزوال الغمة، فكم هو مهيب صور البيت الحرام وهو فارغ بلا زوار. فيا الله اعطف على خلقك الكريم وأسعدنا بعودة للمعتاد المفيد.
صباحكم عيد وسلامة وكل عام وأنتم بخير. فقط لم أجد ما ابوح به ليلة العيد غير ان هذا التاريخ وشم في قلوبنا النازفة البيضاء النقية الصارخة بجمال الامل في الحياة، فكيف هو عيدكم؟

Reactions

تعليقات