القائمة الرئيسية

الصفحات

دوامة
ينهي حصته الزوالية بعد درس بارد، ومتعلمين شاردين بحاجة إلى خبز أكثر منه إلى علم وحرف. يعود إلى بيته يفتتح الباب، فيرمي بحقيبته ويتجه إلى المطبخ ليعد كأس شاي قد ينسيه شيئا من فوضاه اليومية. يجلس إلى مرتبته فيقلب ذاكرته يمنة ويسرة، باحثا عن خيط رفيع مازال مربوطا بلحظة جميلة عابرة من العمر المتعب والمنسي. فجأة تحمله النوستالجيا إلى سنوات بعيدة؛ حين نجح بالمدرسة العليا للأساتذة لحظتها استرجع خطابها العالق بلاشعوره
" ستصبح مدرسا وتنساني"
يقطع شريط ذكرياته صوت مطر ورعد يليه انقطاع للكهرباء عن البيت. فحاول أن يتبين الأمر، أطل من النافذة ليجد السماء ضيعت نجومها وغفا قمرها. وساد صمت وظلام شديد.
فالقرية ستسهر هذه الليلة على ضوء الشموع، وعلى حكايات بعض العابرين بها من أمثاله من الموظفين الذين رمى بهم الرزق إلى حيث قطعة خبز شاردة. يعلم أنهم سيتحدثون عنهم اليلة، عن لباسهم وسامتهم أخلاقهم أصولهم بل وحتى طولهم. فحين لا يتابعون مسلسلا تركيا يكون الغرباء أتراكا من نوع آخر.
بعدها حاول قتل هذا الصمت بفتح جداره الفيسبوكي، لا جديد سوى أنفلونزا الانتخابات والحكومة والأحزاب والتكتلاث والوعود الكاذبة والأمنيات المعلقة، والتعليقات المريضة المؤيدة أحيانا والساخطة كثيرا...
يترك هذا الفضاء المعتل الذي لم يعد صالحا حتى لقضاء حاجة بيولوجية لكثرة المتربصين داخله.
يشعل الراديو على قناة بالصدفة، يستمع لبرنامج طبي نفسي عن الأجهزة التناسلية والأمراض العاطفية فتتصل إحدى المستمعات، وتسأل عن الأنوثة وهل بإمكانها أن تعيشها، وقد بلغ بها العمر عتيا، وهي على مشارف ال 74 سنة. فيجاريها الطبيب في وهمها ويخبرها أن الأنوثة ترافق المرأة إلى القبر...تفرح وتسترسل بالكلام، وهل ممارسة العادة السرية في هذا العمر لا يضر بالصحة ؟!
يبتسم المختص ويجيب " إطلاقا " فهو يعلم أن إدمان العادة السرية، خير من إدمان السياسة في هذا الزمن. ينقطع الخط ولسان حال العجوز كله شكر وتنويه بالطبيب. ليتصل كائن آخر يطلب من الطبيب دواء لخصيته التي تورمت بسب الجنس المفرط...
يلعن هذا الجهاز الشاذ والمريض المسمى راديو. ويتذكر بيتا لمحمود درويش " عام يأتي وآخر يمشي ولا شيئ فيك يا وطني يتغير..."
يشعل شمعة ويفتح رواية علها تنسيه هذا الفائض والمخزون اللامصرح به من العهر. ويستنجد بعوالم هذه الرواية وشخصياتها، هروبا من واقع كانت فيه العادة السرية سيدة المشهد الإعلامي والسياسي بامتياز..

-----
عزيز الزروال / المغرب
Reactions

تعليقات