القائمة الرئيسية

الصفحات


المزار

د . هالة الهذيلي
        كيف حالك ايتها الانا الممشوقة انفة وحيرة وحسرة وتأففا وحبا متوهجا للنوم الجميل.  ان النوم من بين الرحلات المجانية للسفر الامن من وطأة الواقع الرقيب. لكني لم اعد انام بالمرة، منذ سنوات نضوجي وسجودي وصيامي وقيامي جهرا وسرا، ليس لدينا مسافة للعودة للوراء، بالمرة، الصباح مع هذا العصفور السجين في قفصه الأخضر يزقزق بقوة شديدة، يبهجني لدرجة امتعاضي من ندائه اليومي واستعطافه لكي امنحه الحرية. يا لهذه الكلمة من جمال وطعم ورائحة. صاح كل الشعب يوما ما لكي يتزوجوا الحرية ونسوا ان في ذلك احتباس كبير للأوردة الدموية في القلوب الندية، وهو بيع للأنية في رغبتهم الجماعية. لذا قررت هذا اليوم ان ابدا من جديد سأكتب بدون عقد وبدون لعب وبدون تحوير، لكن الكلمة أعمق من حروفها، وهذه الانا لا افهمها بالمرة.  انا الهو والهي والأخر المستجد في مواويل الأغاني المنتهية الصلوحة وعزف البيانو بأصابع محتمية في قفازات بلاستيكية.
ما زلت اقاوم لحظات الارباك الذي يقحمني في هفوات الغيبوبة الحالية، فهل اقتل ما فيّ بواطن ظروفي من حنايا الكلمة المستقوية، لا لست بهذه الاستحالة الغبية، فهي لون واضح السجيّة في علبتي اللونية. اني أتذكر "الانا" هي، الأستاذة الندية المتعطشة لمبدا التعليم وقوانينه الوضعية، نظرت الى هذا اليوم المعمق في تفاصيل درس الفنون التشكيلية في أروقة احد المعاهد المنفية في نقطة من الوطن الابي، فسّرت ووضحت التمشي والعلاقات اللونية ومدتّهم بصور متعددة محتمية بثراء المراجع التصويرية ومدججة ابصارهم بثراء المشاهد الإبداعية وامطرتهم تاريخا تقنيا وشكليا ودلاليا للوحة الحرية تقود الشعب واملاءاتها الموضوعية في الثقافة الفرنسية و وطأتها على اللحظة المفصلية لصناعة الفنون العالمية. كل العيون الصغيرة المبتسمة منبهرة بنقاء اللون وحجم الصور ومتاهة الفكرة في ترجمة الحدث...وافقت من عالم البهاء والنشوة المعرفية المعتمد، ليقول لها هذا الشقي المختلف: استاذتي البهية، فما عسانا نفعل بهذه الاجسام المتساقطة المتراكمة الشبه مكتسية على جنب، إني اتضور جوعا وبردا ولا أفقه مما تقولين شيء الم تحن ساعة الراحة الموسمية، فان مسافات الوصول لبيتنا بعيدة، بعيدة، وانا لم افطر اليوم الا "بيضة "مقلية؟ لم تفهم المراد من وقع صدمة السؤال وحيرة في الجواب. لم اعد يومها أفقه من تاريخ الصور الفنية غير أسماءها الخيالية. انني اقرا التاريخ لليوم ضمن ساعات المعرفة الافتراضية والمحسنات الإضافية. فكل ما اعرفه انني لا اعرف شيء. لم يفارقني حلم المعرفة الفنية ورقصت في سويعات طفولتي المنقضية على اوتار اعتلائي درجة علمية تسطع منها روائح البحث في ليالي الدراسة الصيفية والشتوية.
لقد انقلبت اليوم موازين التوقيت في كامل الكرة الأرضية، واختلطت الأيام واعداد الشهر في هذه السنة الميلادية، المفخخة بالطاقة الجدّ قوية.  وامير الفقراء يجوب البلد ليطمئن شعب الوفاق والمحبة في ليالي افريل المستحقة. انها الحالة اليومية لكل نساء الكون، أضن ذلك، فكلنا نتنفس لنعيش ونعيش لكي ننسى للحظة اننا على قيد الوفاق والتفكير والسفر. هل تسافر معي اليوم في زمن "الكورينا" على حدّ قول شيخنا الاغر.
 السفر مغامرة، و امنية لاإرادية، "جربها بس وادعيلي" أحب رائحة السفر وطعم الهواء والمطر. إني يا خالقي هوائية بامتياز، لا اتقن على حدّ قولهم الترتيب ولا التنظيف ولا تحسين المزاج. اهو ذنب الشغف المكنون بحب الكلمة والجنون. لا اعشق غسل الاطباق وأهوى جمع الوصفات اليومية لتصنيفات سيدة الطبخ العالمية. لا اتبع ابدا أي وصفة لا اشعر بمبدأ الابتكار الا بالزيادة او النقصان. الفوضى تملا هذا البيت، وهذا الحجر طبّق علينا مهاد الرياضة والتوق للسماء وصفاء البحر. أيها البحر الأزرق الممتد. احبك، بعمق خفاياك واتجنبك بجهلي المكنون للسباحة فيك. فانا قلبي محجوز لكل بهاء السماء المنفتحة، فكم أهوي الطيران وصفير الرياح وقت الاعصار وزقزقة عصفوري الرفيق الجميل. كيف سيزول الغريب المستجد، سأغلق اليوم كل هواتفي وسأعتكف اللون في حدود، لا سأصلي، وسأتجمل هذه الليلة. لقد عزمت النية وفرشت كل أدوات الزينة التي املك، ألوان فاقعة وهادئة وغبار متلألئ وابيض واسود وغيرها من أدوات الجريمة الجمالية. فلم اتزين، بل ابحرت سفرا.
"الراحلون المقيمون، اليوم كل شيء تلاشى الا أنتم فقد بقيتم واقفين كشجرة خروب في وجه الياس...فشكرا على صبركم الكبير املا في دنيا أكثر رحمة وعدلا..." يفتتح واسيني الاعرج روايته نوار اللوز بشكر الراحلون المقيمون، وأصبحنا اليوم نهيب شكرا للبقاء بالبيوت، علّ افتراقنا يكون يوما سببا للقائنا، فيا لهذه المتناقضات الباقيات من تأثير وصدى في نفوس البشر وكل من ارتضي بنصيب الخلق مما كتبه الله واقتضى. إني أحب التفاصيل الصغيرة واعشق لون البن ورائحة الحناء. أحب الله والألوان وأحب الفرح والارجوحة المعلقة هناك على غصن زيتونة حديقتنا، وبيتنا ورائحة يومنا المنقضية في حسن الربيع المنجلي.  فياه..."كم تمنيت بياس العشاق لو مكثت قليلا معي لكنها هي هي، كالنور تشق الحيطان وكالومض تروح وكأنها لم تكن... انها لحظة التعبد للتفاصيل الجميلة التي لا تعرفها...فما زلت بدويا حتى العظم لا يعرف فلسفة التفاصيل الصغيرة التي يعيشها..." انها التفاصيل الجميلة والبليدة، كل يوم افتح الهاتف مسرعة علّ انفتاح شاشته يحمينا من حمل الاعتكاف في البيوت والإسلام الصافي في قلوب الأوفياء. لم أجد ما يشفي سهادي غير صور الذكريات الفايسبوكية التي تطعّم أيامنا بإعادة الاعجاب والتهنئة والتعليق والتمني بأيام مستقبل نديّة. فهل سأسافر يوما يا علبتي اللونية، بك سأعلن التوبة الفنية على مشارف النجاحات المستقبلية واذعان الخروج من كل القيود المستعصية.
 احلم برسم السفر والمطبخ والجلي والقدر و القدر.  "اليوم قررت التخلي والاعتزال والتعوّد عليك ايتها الكلمات المنسابة كهذه الطبول المختلسة بصدر طيف متحمس للحياة. اكتب كل هلوسات الصباح والمساء وانسج احتمالات اللحظة الجميلة وكاس الشاي بالنعناع الطازج النقي. يا جنة الغد لا تغلقي ابوابك ويا  مغفرة السماء لا تخذلي مناجاة عبادك فسبحانك لا الاه الا انت، سبحانك إني كنت من الظالمين، فتهت يوما ويومين وعدت.
أكملت تعقيم أبواب الغرف واخرجت عصفوري للحديقة الامامية لهذا المسكن الكبير الصغير. لم تخف الحركة في حينا القريب، أطفال يلعبون وشيوخ يتمشون، و"ماكرون" هناك أسعف سكان بلد الرومانسيين ان موسم الحب مغلق الى حين. لن تعلق اقفال القلوب المتواعدة على جسور النهر الطويل، ولن يعبق برج ايفيل بليالي الأضواء والشماريخ المتاحة. على البال كل التفاصيل على البال والحلّ والترحال والبسمة والهيل، يا لروعة خطواتك المغرورة يا محمد عبدة، فكيف لأغنية ان تختزل كل شغف القلوب المكتوبة بأمل التفاصيل لغد أجمل. نرقب الخلاص والرحيل. فاين المسير وكل المحاذير مستتبة الى حين. هذه التفاصيل التي انغمست فيها مع صوالح الحال والحين، وكل الامي الباطنية التي تفقدني وعيي في لحظات، رغم كل فنون المقاومة وشرب الماء والزنجبيل. انها تطوق لمزارات الاولين والاخرين، في معتقل الدفيء والصابرين. سأزورك قريبا، فكأنه لا يوجد مهرب منك الا اليك... لقد عزمت...


Reactions

تعليقات