القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع الجميل من أجل عالم يُوَقر الشغف البشري - د.صفاء غرسلي

الصراع الجميل من أجل عالم يُوَقر الشغف البشري

د.صفاء غرسلي
في ليالي الحجر أجلس متحدية معنى المعقولية في استقراء معاني الحياة وأستنبئ من ثنايا الذاكرة علني أجد إجابة تروي غليل استفهاماتي. هي جملة من الأفكار التي تعتريني، من التناقضات الصارخة إلى حد التوافق الهجين. لعلها أفكار عائمة في فضاء الاحتمالات الذي تحدث عنه العالم الروسي فاديم زيلاند في كتابه ((Transurfing مشيرا إلى نظرية العوالم المتوازية في علم فيزياء الكم. أتساءل هل أصبحت رسائلنا في الحياة بالية أمام فيروس خُلق قبل الانسان وله رغبة ملحة في البقاء أكثر منه ؟ الفيروس هو الكائن البيولوجي الأكثر وفرة في الطبيعة لكنه يفتقد إلى الوعي الذكي في التحكم كالبشر. أتساءل إلى أين نرتحل؟ هل إلى تلك البنية المعلوماتية اللامتناهية التي نحن صنعناها؟ أم إلى عوالم تتخطى الأبعاد الفيزيائية التي نعرفها فترمي بنا وسط كل هذا النشيج في أحضان التداولي ليُسَائلنا مَن المفلح في التنحي عن الآخر المتنافر المتجاذب. نجد أنفسنا في حجرنا محتمين بالأنيس الافتراضي لنتوالف، نتبادل الضحكات المرتعشة أو ربما نتصافح عن بعد في غياب اللمس و فنونه. نفر من واقعنا لنتعانق في أحلام يقظتنا و نجعل العناق يطول فنشتاق أكثر و أكثر و لا شيء يطفئ ضرام التوق إلى الأحبة. أتساءل أتُرَانَا نرتحل بخيالنا الى ساحات الجمال المسموح بتجلياته الدنيوية وعثراتها؟ أم نعيش زمن الاعتكاف في محراب الاحتمالي المقدس؟ أستفهم هل يجتاحنا الخوف من الآخر أم عليه؟ هل هو نفس ذلك الخوف الدفين، المعيق و المثقل بكل ما تحويها الكلمة من معاني قبلية و بعدية في ارتباطها بالوضع الراهن أم هو خوف جديد متجدد الكيمياء. كيف لنا أن نحب الآخر و نعتزله؟ كيف لنا أن لا نريد و نحن في العمق نريد؟ كيف لنا أن نحب ولا نتقبل مشاعر الحب؟ ألسنا نعيش حالة متفردة من الهذيان المشاعري قد لا تتكرر البتة؟ أجد نفسى أتحدى ذلك الخوف، لا بل أتحاشاه و أنا المدركة بأن الخوف من الشيء هو مرادف للوقوع فيه، قد يكون ذلك قانون الجذب، أحد أهم القوانين الكونية في علم الطاقة.
أتساءل مجددا هل يمكن لنا أن نفتك الأمل و ننعم بدبيبه و قد أنأتنا الهواجس؟ هل أصبحت طموحاتنا شرطية؟ أضحينا لا نعاجل بالنوايا "حتى إشعار آخر"، و إن كان في الحياة ما يستحق العيش فقد انتفت حدود الجموح لتتبدل و تتشكل رغباتنا مجتمعة في قيمة الصحة. هل نحن قادرون اليوم على أن نُعَرف الصحة و مفهومها؟ أهي الجسدية ؟ وماذا عن الصحة الاجتماعية التي انتفت و النفسية التي أٌثقلت خوفا؟ أي أولوية ستتصدر لائحة رفاه العافية اليوم؟ أتجاوزت آمالنا الشباب و النظارة و الرشاقة لنصبو إلى نَفَس تنتعش به أفئدتنا في فضاء الغلق و إجبارية الالتزام؟ هل ضاقت علينا الأرض بما رحبت؟ أم ضاقت نفوسنا و أنفاسنا؟ هل هو القلق لأننا نشعر بالقلق من المستقبل؟ وهو القانون التراجعي الذي تحدث عنه مارك مانسون في كتابه "فن اللامبالات"، فالحرص على أن تكون الحياة دائما ايجابية هو في حد ذاته تجربة سلبية.
يقودني هذا الاستجلاء الوجودي الى بهو الابداع لأتساءل من منا كان قادرا على أن يُفَعل ذلك المبصر الداخلي ؟ فأعود لأبحث في أصول الابداعية المجنونة كما عرفها الطبيب النفسي مورو" الجنون ليس حالة فشل في الحياة وانما هو فائض عقلي و نشاط ذهني مفرط، هو حالة روحية و عقلية مبالغ فيها وهو ما يجعله يرتبط ارتباطا وثيقا بالعبقرية" فهل سيصبح البشري نسخة مجنونة؟ نسخة أفضل من سابقاتها؟ أتساءل هل نحن نسير نحو ما سماه زيلاند "بخط حياة جديد" نكون نحن صُنًاعه؟ هل سيكون عالمنا الجديد مٌوَقرا للشغف البشري أم سيأتينا بطُرُق صياغة جديدة تراوغ الوعي الراهن؟
تنبأ بعض المفكرين بأن القاطرة ترتحل بنا الى أزمنة تلغي كل الثوابت العلمية مؤسسة لعهد مغاير، بملامح جديدة لحقائق لا نعرفها أو قد نكون عرفناها و تجاهلناها. قد يصبح عالما أكثر أمانا باستقلال الفكر، أو أضخم انتاجية وأقل استهلاكية ليصبح البشري أشبه "بكائنات نَحلية" لا صنو لها. أعود لأُقر أن من القاع ينشأ الابداع البشري كما كان الحال في الحربين الأولى و الثانية. نحن نلامس الصراع الجميل من أجل البقاء، إن ما نعيشه اليوم هو تيار طاقي ينخفض ليرتفع بطريقة دورانية وهو ما عرفه المفكر الكويتي د.صلاح الراشد "بنظرية الموجة". فهل سيشهد عهدنا أكبر الانتاجات الفكرية والعلمية؟ من سينجح في تلقف الطاقة المتصاعدة والابداع المتجلي؟ هل سيسجد الواقع أمام بهاء الخيال، فالخيال حسب أندريه برتون "ليس له أن يُهان أمام الواقع" (La clé des champs). أتساءل كيف السبيل إلى الطمأنينة و سريانها في صدورنا؟ لأجد نفسي أقول... نحن مرتحلون بلا شك إلى احتمالنا الأفضل.
Reactions

تعليقات