القائمة الرئيسية

الصفحات

مناجاة السعادة المتوثّبة - هالة الهذيلي بن حمودة

مناجاة السعادة المتوثّبة




بقلم د. هالة الهذيلي بن حمودة

    في ليلي الساكن هنا وهناك، لم يضاجعني النوم ولم استكن للحلم ولم يغفو جفني لبرهة، إني هنا وكلى هناك منقسم، فكيف نشدو الأمان يا سندي... لم يكن لنا شغف بهذا المكوث في محمياتنا الحميمية، ولم نرغم كما الساعات الراهنة على قتل مشاعر التقارب فينا، ولم نستشعر الرهاب من الفقد، الا بفرط القلق من وطئه الموقف الحاسم للأرض واستنجادنا بالسماء. نعيش القلق ويعيشنا بتقطع طيلة أيامنا في الحجر الصحي، فتقاسمنا لحظات ابداعاتنا البصرية وسعدنا بضحكاتنا الافتراضية وتدثرنا بأصوات احبتنا المغتربة وتجمّلنا بماء الزهر وساعات تقطيره الموسمية، وتلاعبا بخصلات شعرنا واحتوينا ذواتنا صلاة وقياما وشعرا وطبخا ورقصا ونثرا ثم كتابة ثم تعقيم ثم سمر فاكل فتلوين متشكّل، فبحث فنوم فاستفاقة مطوّلة امام الازمة واشكالاتها المتجددة.  فيا سندي ويا أملي ان هذه السطور مشبعة بعطر النداء والدعاء فاحملنا برفق الى واد النجاة، فنحن نحب الحياة.
سأكتب كل ليلة، فهذا دواء الصابرين والمستعدين لرشق سماء الامل بأدعية الصالحين وتبرّكا بكفوف المكرمين وذنوب المستضعفين وجمال المحبين، ففي الأرض قلوب متحابة ومتباعدة ومتخاصمة ومغيّبة وقاصرة، في الأرض قلوب مهجّرة وعقول مستفحلة فيها رهبة القلق من استضعاف الحياة، فنغدو تاريخا في صفحات كتاب.
 فاني اليك، اكتب اليوم، علّ غدي يذكرني فينصفني، فلست سوى قلب يحاك محبة، وأخاف من احزان الغير فغرقت في غربة مشطّة، استرق منها انيّة طازجة حالمة جائحة، ففي الجوائح جمال متخفي. انها فرص السؤال ثم الاستفهام فتعليل واستنكار، فكيف أصلي اليوم طمعا للنجاة والسكن؟ ام انه في الغد المبشّر، لحظات وعد بالتوبة المستمرة؟ 
كيف تغلق المساجد والكنائس والحرم، في لحظة ينشد فيها جميع البشر تقربا لله في جلل، صلاة الحالم المتيقّن برحمة الله التي تفوق كل البشر.
فكيف اذكرني وكيف اعرفني وكيف اسحبني عطرا يوارى في رحاب القمر؟
 لم افتن قط كفتنتي ب "سيدات القمر"، صفحات رواية، تهت وتمرست الضياع فيها علنا وتسترا و رحلت مع كاتبتها جوخة الحارثي بعيدا... بعيدا ..."فكل شيء ظل في مكانه، رغم اني لست في أي مكان" ..."فمن يريد القمر لا يتجنب الليل"
هناك علي شفى سطح القمر، المستنير فوق كل البشر، تطفو هالتي التي أسمي، لتطوقني في حبها المتيّم أسرار من الحرب والالم. لم تكن حرب مرئية ولا مادية، فلندن لم تكن شخصية اعتيادية ولا خرافية القلب المنتظر والمحتمل، انها ككل البشر هاربة من إطار اللحظة نحو ربوع السهو المحتضر، هناك تنهل من جمال اللقاء في الوداع المستتر، بحثت لندن صاحبة الاسم المتفرد، عن لغة متأملة فقطعت مع كل الافكار البالية وتضرعت للفطرة المتيقظة لصناعة ابداع لحظة الكينونة المستهلكة. نحن نستهلك جنون الحرية، وفنون الصبر في عزلتنا الخفية. "لقد أصبح الفن بالنسبة لي ضرورة كالماء والهواء، منذ أدركت انني لن أستطيع الحياة بدون خيالي الخاص. الخيال يا اسماء مثل الفن يمنحني قيمة لوجودي ومهما كان الواقع جميلا فبدون الخيال تصبح الحياة غير محتملة".
انها أناشيد السهر وقيام الليل في أحلك ساعات البياض المندمل. فتزهر في راسي صورا وايقاع وتمتثل رحمة الادعية في اجلال للبقاء والسهر. "رحمة" ولدتها أنامل ابداع المرأة، من هذه الأرض التي نتقاسمها في القلق والحياة والبقاء في امل لحظة التصدي للوباء المحتمل، رحمة سابحة في فخامة العمق والألوان وإجراءات السطح وإملاءات الشكل والصبغ وصخب الحدث. تكتب فاطمة النمر رسائل كونية في مسرح الراهن والانا، وتدخل كل مراسم مسرح الشارع الى بهو الفناء، المغلق الشفاف، اللامكتمل، هناك أغلقت المدن وسكنت كل الأمم حرمة البيت ضمن وضع قانون قد احترم، هو الحرم المتشكل اين تمددت حريم للا السعدي في زهو وسخاء ممتلئ. كل حرم يعج بحرمة وحريم وسعادة المنكشف. فهذه نوافذ البوح تمتلئ وموج الزهوّ قد شارف على الاحتماء والاحتساء في كفوف العاشق المتزهد في الليل المتضرع المعتكف. هنا وكلي قد امتلئ بحب الأرض والسماء، مجيد، صابر، في الفناء، نمدّ اليك اكفنا بسلام... فكلي رجاء وحياة وحلم يشارف التيه امتنانا وسخاء وصفاء...علّنا نغرف من اكسجين السعادة نفسا للبقاء....



فاطمة النمر فنانة سعودية
لوحة "رحمة " منجزة في اسام الحجر الصحي مارس 2020

  


بعدسة هالة الهذيلي لأعمال للا السعيدي وتفاعل المتلقي مع الصور في بينالي الخط الشارقة2018
Reactions

تعليقات