القائمة الرئيسية

الصفحات


عودة مغترب
كان ساعي البريد يغازلها كل مرة..
لم لا تتزوجينني ،وساكتب لك كل يوم رسالة، كانت تضحك هي ونساء الحي على مزاحه المحبب إلى قلوبهن، وكن يفرطن في الدعاء له اذا حمل لهن رسالة من إبن مغترب، أو قريب اشتاق رائحة الأرض، وحضن العائلة....
عرفت في الحي أنها وحيدة لا عائلة لها ولا ابناء، كان كل أبناء الجيران بمثابة أبنائها، تواكب أفراحهم، تعتني باطفالهم لم يجرؤ احد على سؤالها يوما عن حياتها، عن ترهبها....
كانت تبدو هادئة، راضية بحياتها، لكن حين تخلو إلى نفسها، كانت تعد السنين التي حرمت فيها من ابنها الوحيد، كان عقاب العائلة قاسيا حين حرمتها من ثمرة علاقة فور ولادة الطفل، كانت فتاة صغيرة لم تتجاوز حينها السابعة عشر، لم يسمح لها حتى بالسؤال عن مكانه، لم تتمكن حتى من احتضانه، حبستها والدتها بقرار جماعي في البيت لا تخرج، ولا تتعامل مع أحد، كانت العقاب قاسيا، كقسوة الحياة ،عاشت ذليلة إلى أن فارق أبوابها الحياة، فغادرت قريتها دون آسف ماعاد يربطها بسجنها اي رابط، استقرت في احد الأحياء الشعبية سنينا عديدة، تعود على وجودها الجيران، كانوا يستغربون وحدتها، ويحبون لهفتها وخوفها على صغار الحي، قالت انها لم تتزوج، وهي راضية، ولا تسخط على القدر الذي حرمها الامومة.....
إلى أن وصلتها رسالة ذات يوم من حفيدتها ذات العشر سنوات تسأل عنها، وتخبرها انها ووالدها يرغبان بشدة في لقائها، لم تصدق الأمر، ظنت الأمر مزحة من ساعي البريد، لكن الطابع البريدي كان من خارج الوطن، يعني الرسالة صادقة، والحلم سيتحقق، كم دعت ربها في جوف الليل ان لا يحرمها حضن إبنها حتى لو كان في آخر يوم لها في الحياة....
لم تسعها الفرحة، لم تترك أحد إلا وطلبت منه قراءة الرسالة وشرحها لها، كانت فرنسية حفيدتها سهلة ومقتضبة اقتصرت على رغبة في اللقاء دون تفاصيل...
أخبرت الجيران أن إبنها خطف وهو صغير، وهاهو يعود إلى حضنها بعد غياب.....
أصبح ساعي البريد صديقها المقرب، اغدقت له العطاء مما تصنعه من حلويات واغدقت له الوعود بأن تجعل إبنها يكرمه لانه جالب الخير.....
وبقيت تنتظر قدوم المغترب، وتنظم غرفة للحفيدة وسط فرح الجيران.....
--------

 لطيفة البابوري 
متابعة / سهام بن حمودة
Reactions

تعليقات