القائمة الرئيسية

الصفحات


-:"سأكون أجمل عروس لهذا العام .لا شك أن فستاني هذا الذي اقتنيته من أشهر محلات بيع فساتين الزفاف في باريس سيكون مميزا .ما رأيك يا ريماس ؟ألست أضوع فتنة؟و عقد الجمان هذا ؛لا بد و أن جيدي المرمري الذي تزينه رقبة غزال أهيف سيزيده فخامة و أناقة. وقوامي الممشوق بلا شك سيضفي رونقا على الشال الشفيف المرصع بالياقوت و الكريستال المصقول .ألا يروقك اختيار حبيبي لهذا التاج الفضي اللامع ؟لقد قال إنه يناسب شعري المنسدل على كتفي كخمار أسود يجللني بالوقار .أصدقيني القول يا صديقتي ألست نادمة على كل الأقاويل و الافتراءات التي رميته بها ؟ ألم تقولي إنه شاب طائش يطير كالفراش من زهرة الى أخرى يمتص رحيقها و يرحل؟لقد أوغرت صدري ضده عدة مرات و كدنا ننفصل لكن حبنا كان أقوى من كل ادعاءاتك. و لأن سعادة عارمة تغمرني اليوم فإني سأعترف لك بسر.عندما رأيتك أول مرة اقشعر جلدي منذ أن وقعت عيناي عليك و لسبب لم أدرك كنهه لم أجد لك في نفسي ارتياحا و لا قبولا فعقدت العزم عل الاكتفاء منك بمجرد زمالة عمل لا أكثر. و مع انقضاء الأيام تعودت على اهتمامك بي و توددك إلي. حتى تملقك أحيانا كان يرضي غروري. و لأنني وحيدة تركتك تدخلين بيتي و بحت لك بكل أسراري و تقاسمت معك لحظات فرحي و حزني. و لم أكن أغضب حين أكتشف سرقاتك المتكررة لأغراضي و لمبالغ مالية متفاوتة القيمة و لم أعر اهتماما لأنانيتك المفرطة و رغبتك المكشوفة في السيطرة على اختياراتي .
هل تعرفين لماذا كنت أتغابى و أتجاهل كل سيئاتك؟ لانني اعتبرتك أختا لم تنجبها أمي و أشفقت عليك يتما عانيته و شظف عيش لم أعان وطأته مثلك.
هاهو حبيبي و نبراس وجودي قادم إلينا يجب أن تعتذري له عن كل الحماقات التي شوهته بها في أعين والدي لنبدأ مشوارا جديدا نقيا من الكذب و المكائد.
و أنت ألم تطق الانتظار ليوم غد لنكون معا إلى الأبد؟ أليس فألا سيئا أن تراني بفستان الزفاف قبل موعده؟
تتحرك الفتاة نحوه و رجلاها لا تكاد تحملانها من شدة الجزع و الشحوب يعتري وجهها و هي ترتجف كورقة خريف لفظتها الشجرة بلا اكتراث و هي تقول :"الحمدلله أنك أتيت في الوقت المناسب يا دكتور . لقد حشرتني المريضة في الزاوية منذ ساعة و لم تترك لي المجال لأنبس ببنت شفة و لا أعرف لماذا تذكرت صديقتها عندما دخلت عليها ."
ابتسم الطبيب و قال :" لا شك أنك المتربصة الجديدة . كان عليهم أن ينبهوك حتى لا تدخلي عليها إلا بصحبة ممرض آخر. لقد أدخلتها أسرتها المستشفى منذ أكثر من سنة و هي تعاني من صدمة تئن لها الجبال. فقد مات خطيبها و صديقتها اختناقا بالغاز في غرفة بفندق قبل زفافها بأسبوع. و لا شك أنك تشبهين الخائنة فهي مذ جاءت إلى هنا تنتابها هلوسات و حالة ذعر كلما رأت فتاة شقراء ."
أضافت الممرضة :"لقد وجدتها متلحفة بملاءة السرير و ما أن لمحتني حتى تشبثت بتلابيبي وأشبعتني قبلا و كأنها تعرفني من قبل ثم بدأت تتخيل نفسها عروسا و لم أحر جوابا عن أي من أسئلتها التي انهالت علي كسيل جارف و أوصالي ترتعش بلا حول و لا قوة مني ."
نظر الطبيب الى مريضته التي كانت تتوه في مسارب الذكرى و هي تنظر بعيون زائغة عبر زجاج النافذة و تلعق جرحا نازفا يزيده ملح الغياب احتراقا . و تهمس و الدموع تترقرق بمقلتيها :"أعرف أنك تنتظرني يا سيمفونية عشقي و كل مناي .سأزف لك الليلة في أبهى حلة." و طلب منها أن تنصاع للممرضة التي غرزت في ذراعها إبرة مهدىء بعد أن ساعدتها على التمدد في فراشها لترتاح قليلا.
و في صبيحة اليوم التالي أعلنت الصحف خبر انتحار فتاة مجنونة بأحد المستشفيات النفسية بإلقاء نفسها من نافذة غرفتها بالطابق الرابع .
-----
منى البريكي / تونس


Reactions

تعليقات