القائمة الرئيسية

الصفحات


نترقّب جميعا تلك اللحظات الرافضة للزّمان،الهاربة إلى مكان آخر يرفض الاعتراف بتقسيم أرض رسمها الاستعمار...ماذا لو لم تقم الحروب الظّاهرة منها والباطنة،هل كنتُ سأنتمي إلى وطن أكبر أم أصغر مساحة...لعبة القدر التي رسمها بعض البشر هي التي جعلت الجنون خيارا...ربّما جاء أجدادي من بلاد بعيدة واستوطنوا هذه الأرض... أَلَمْ يُعلّمونا أنّنا ننتمي إلى أرض تعاقبتْ عليها آلاف الحضارات،فنحن بربر نأكل "الكسكس"،تلك الأكلة العجيبة التي لم نُفلِح حتّى في أن تكون رمزا لهويّتنا،فقد سئمتْ منّا ومنحتْ أمجادها إلى بلد آخر...بل نحن فينيقيون جئنا من بلاد بعيدة فأسّسْنا حضارة لتزدهر قرطاج العظيمة،ولازلنا إلى اليوم نتغنّى بمآثرها الجسيمة...وبسقوط جدّنا"حنبعل"العظيم سقطتْ قرطاج، ووُلِدَتْ"أفريكا"على يد الرّومانيين الأبطال،...فلنا من الرّومان إذن دماء تسري في عروقنا إذ استوطن الإيطاليون مدنا جديدة مثل"توقا"(دقة)،"مكتريس"(مكثر)، "سيكافيريا (الكاف)،"تيسدروس"(الجم)... وازدهرت الحضارة وازدهرت معها حياتنا...ولستُ أدري إن كان أجدادي كانوا هنا أم لم يصلوا بعد إلى هذه الارض...وبعد قرون جاء"الوندال"من أروبا لِيُعمّروا أرضنا قرنا بمساعدة البربر الذين سئموا حكم روما وبطشها...ونعود من جديد شعبا محكوما بعد قرن تحت لواء الامبراطورية البيزنطية...كُنّا كما نحن الآن شعبا جائعا نُموّل روما والقسطنطينية بالحبوب وبأجود المنتوجات الزراعية حتّى أطلقوا على أرضنا لقب"مطمور روما"... لازلتُ يا قرّائي أبحثُ عن أجدادي،فهل أنا بربريّة أم فينيقيّة أم رومانيّة أم ونداليّة...أم لعلّني عربيّة،فقد حلّ ركب المُسلمين مع بداية فتوحاتهم سنة 647م لِتتلاحق الدّول علينا:من الدّولة الأغلبيّة،إلى الفاطميّة،إلى الصّنهاجيّة،إلى المُوحّديّة،إلى الحفصيّة،إلى العثمانيّة التي تفرّعت عنها المُراديّة ثمّ الحُسينيّة،....ورغم أنّني قد أكون نتاجا لكلّ ما ذكرته فقد انسجمتْ الشعوب ألمُختلفة التي عاشت على أرضنا،فتزوّج البربر من الفينيقيين،كما تزوّج الرومانيون من العرب والبربر وغيرهم ممّن لم يرحلوا... ورَضِيَتْ روحي قبل أن تنزل إلى هذه الأرض بهذا الامتزاج لأكون أنا...أنتمي إلى ألف حضارة وحضارة...فنحن أرض تعوّدتْ الاستعمار بل استساغته وشربتْ من مائه إلى أن جاءت فرنسا اللّعينة بعد أن باعنا البايات فأُطْرِدُوا من الحكم،وبقيتْ أرضنا رهينة...استنزفتنا فرنسا ورحلتْ سعيدة بعد أن منحتنا استقلالا يتيما لتُعيد استعمارنا في ثوبها الجديد.... هل لي أن أفرح بانتمائي إلى حضارات مُتعاقبة أم لي أن أحزن على تنوّع أساء إلى نفسي،فلاَزَالَتْ أرضنا كما كانت منذ قرون خزّان مؤونة لأروبا،تُهديها الحبوب والزٌيوت والقوارص والفسفاط والرّخام...لنقتات على فتات يُرسلونه إلينا...فبئس حضارة لا تُشْبِعُ شعبها... ولازال الجنون يتجوّل في أرضنا لِيقول لأهلها:"هل أنتم حقّا حضارة...؟؟؟هلَّا أجبتني أيّها الإنسان:من أين تنحدر جذورك؟" سأجيبك أيّها الجنون:"أنا إنسان، ويكفيني أن أنتمي إلى هذه الأرض مهما كانت مُسمّياتها ومهما تنوّع سكّانها ومهما اختلفت جذورهم... 
__
ليلى كافي / تونس

Reactions

تعليقات