القائمة الرئيسية

الصفحات


السّرقة مُباحة،أغلب البشر يسرقون في هذا العالم،...فَلِمَ لا أسرق مثلهم...أمضيتُ الليل أفكّر في ما يمكن أن أسرقه فقد قرّرتْ احتراف السّرقة ليوم واحد في أرض كلّ من حكموها لصوص...كان الفجر غاضبا لقراري فأعلمني بمُجرّد وصوله انّ الشمس ستتحجّب اليوم خوفا على خصلات شعرها الذّهبيّة التي كانت تهبني دفء الحياة،...لقد وشت لها النّجوم بأنني سأسرق خصلة من خصلاتها لأبيعها إلى تجّار القطع الأثريّة النّادرة... خرجتُ إلى حديقة خضراء تحدّتْ ظلم الخريف الذي نشر نسائمه الصّفراء في كلّ مكان،لمحتُ شجرة لا تأبه لهذا الخريف الكئيب،لقد قرّرتْ أن لا تتخلّى عن أوراقها بعد أن سقتهم من ماء الحياة ذات مطر صيفيّ عابر...لقد وجدتُ فريستي،سأسرق قطرات النّدى النّائمة على الأوراق مادامت الشّجرة نائمة هي بدورها... آه...كم يلزمني من الوقت لأجمع قطرات كافية لأعدّ بها قهوتي،...أخاف أن يُداهمني ضوء النهار،ذاك اللّعين الذي سيفضح امري وسيكتب فوق إحدى الغيمات أنّني سرقتُ قطرات النّدى... تجاوزتُ الأمر فقد طلبتُ من نفسي أن تأخذ ضميري إلى الدّاخل لِيقرأ كتابا يُخلّد القولة الشّهيرة"الغاية تُبرّر الوسيلة"... جمّعتُ كلّ ما وجدته من قطرات النّدى في كأس وعُدْتُ بها إلى المطبخ وسكبتها في إبريق فضّي يليق بها،..وحين اقتربتُ من البنّ لآخذ منه ما أُعِدُّ به قهوتي رفض أن يقفز إلى الملعقة قائلا:"لن أمتزج بماء مسروق؟أَلَا تسمعين بكاء الأوراق؟...أَلَا تُنصتين إلى أنين الشّجرة؟"... اِخترقني الضّمير صارخا:"أيّ كتاب ألهيتني به!!!إنّه كتاب يُبرّر السّرقة بل يُشرّع لها"... همستُ لنفسي:"أليس من حقّي أن أترشّف قهوة لم يشربها أحد قبلي،قهوة لا يتعكّر بعدها المزاج أبدا،...هل سأصبح سارقة بسبب قطرات ندى قد يقتلها وهيج الشّمس المُفاجئ، ماذا سرقتُ مقارنة بما سرق بعض البشر!!!...لقد سُرِقَتْ أوطان بأكملها،لقد سُرِقَتْ فواكه من شجرها ،لقد سُرِقَتْ آثار من متاحفها،لقد سُرِقَتْ أرواح من أجسادها،لقد سُرِقَتْ منّا الحياة"... "أنتِ يا نفسي،ألَمْ نقرأ معا تاريخ لصوص وُجهاء لم يتركوا للفقراء شيئا ليأكلوه،لقد رأينا معا ثرواتنا منهوبة يأخذها من يدّعون التّقوى؟..وتلومينني لأنّني سرقتُ قطرات من النّدى،قطرات قد تتحوّل إلى صقيع يحرق أوراق الأشجار"... وتواصل العتاب بيني وبين نفسي... وفي لحظة عجيبة تراقصتْ قطرات النّدى،فتكلّمتْ قطرة منها بصوت رقيق:"نحن ماسات في عالم المياه،...نحن لا يأبه لنا أحد ولا يُفكّر فينا بنو البشر،...لكنّنا ننتظركِ كلّ صباح لنقرأ نُصوصكِ المُحمّلة بعجيب الكلام،فنستمتع،...ويا حبّذا لو كان كلّ السّارقين مثلكِ،...نحن لَكِ،وكم تمنّينا أن تكتبي عنّا فما بالكِ أن تسرقينا،...نحن لَكِ بإرادتنا،وشرف لنا أن نكون ماء تُعدّين به قهوتكِ"... وماهي إلا لحظات حتّى قفزتْ قطراتْ النّدى في الإبريق، وانضمّ إليها البنّ مُبتسما،ثمّ أطلّتْ الشّمس ببعض من نارها، فأعددتُ قهوتي وسكبتُها في فنجان فضّي يليق بماء ثمين... ها أنا أترشّف قهوة لم أتذوّق مثلها من قبل،قهوة من قطرات النّدى،قهوة جعلتْ سرقة الماء مُباحة في أرض يكسوها الظّمأ.. 
______
ليلى كافي/ تونس
Reactions

تعليقات