القائمة الرئيسية

الصفحات

هناك شيء مميّز في هندسة الدار العربي - عبد القادر بن عثمان


لابد من النظر اليه خارج مقرارات العين العادية 
فهندسته تمنح الجسد الوجود في السماء .. هذا كلام يبدو صعبا ومثاليا كما اتهم دائما ..لننظر قليلا : البيوت تفتح على صحن واسع وخاصة في البوادي، هذا الصحن يفعل شيئا بسيطا وهو أن يأخذ حصته من السماء :من الشمس والضوء والاوكسيجين ..
ويحتضن ذلك كله دون أن ينفتح على الشارع او أن تراك عيون الآخر ..
وهذا مايبني الشخصية بانفتاح على الداخل وتحقيق تهوئة للذات واضاءة خارج منطق الفضيحة وكشف الدواخل والاسرار ..فتعيش الشخصية انسجامها الداخلي وراحتها وتستمتع بقسط من حياتها وتمارس كل علاقتها مع السماء والهواء والشمس والتجدد دون أن يطلع على خصوصياتك أحد ..
وهذا مايساهم في بناء بعض المصادر الروحية والثقافية
التي تجعل الشخصية تستمد قوتها وصلابتها من الداخل وليس من الخارج ..ولاتتأثر كثيرا بثقافة الشارع وسمومها المختلفة ...
في مقابل ذلك نجد هندسة الدار المسماة بالسوري و المعروفة بالفيلا ..
.نجدها تمنح لك فرصة أن تعيش الليل 24 ساعة على 24 ساعة وان تتنفس هواء ميّتا لاحركة فيه ولاتجدد وحين تريد ان تخرج عن ذلك عبر الشبابيك تجد نفسك مضطرّا أن تقع في الشارع وتتشارك معه خصوصيات ثقافته في استهلاك الهواء والشمس والضوء والسماء ...
لذلك فنحن نعيش بسبب انماط البناء والثقافة الهجينة المستوردة والمهندسين المعماريين الذين لاجذور لهم شخصية تنمو في الشارع ولها ثقافة شارع وليس لها قدرة على الانفتاح على الذات وعلى سمائها وضوئها وهوائها الخاص ..
والمصيبة الأكبر أن البناء العمودي سيجعل الحياة اشبه بأقفاص الدجاج ..نمطية منغلقة لا داخل فيها ولاخارج ..كل شيء مشترك ..وكل شيء من الحياة يحدث وكأنه في ممرّ مصنوع للفئران ولكائنات شبحية...
لذلك تقتل هذه الهندسة الوجدان وتجعل الحياة كهفا مظلما.. فتطغى على الحياة مانراه من اصطناع وخواء روحي في المسلسلات الهليودية ومن قتل وعنف والوان مظلمة وأحجام شاهقة توحي باعدام الحياة وسلبها وغربتها ..
المشكلة اننا نجد أنفسنا نجري معهم ..ونقتل ما يقتلون حيث نعمم فعل الموت البطيء ولانجد لنا منه مخرج ..
فهذا النمط من العمران والثقافة المتولدة عنه والشخصية الناشئة بسببه أصبحت وكأنها جزء من أقدار العصر ..
غير أن فشل السياسيين في تونس وعربيا وفشل تجاربهم ووهن شخصياتهم والمرارة التي ستصيب كل من شرب من كأس التفريط في هويته الوطنية و القومية والاسلامية هي وحدها التي ستطلب بعد تراكم تجارب الحماقة والفشل هندسة عمرانية تقوم على استلهام نماذج تخطيطها من مفهوم التجذير الذي يقع في النقطة الاولى من خمسة تاءات التنمية والتقدم العربي والاسلامي التي حددناها سابقا ...
_____________________ عبدالقادر 
من مخطوط تطويحات النسف
Reactions

تعليقات