القائمة الرئيسية

الصفحات

وينبت الأديم معاشا ولذائذ - عمار التيمومي


الكبّارة2:

ويُنبت الأديمُ معاشًا ولذائذ:

آه من أسرار أمّنا الأرض منها صيغ صلصالنا طينًا وماء وبجوفها الحمأ وعلى سطحها ينفُخ الهواء.. فتنشأ منها وعليها وفيها كلّ الكائنات أنسًا للإنسان مسبّحةً للرّحمان.. وتكتسب الأرض في كلّ عصر ومصر خصائص تميز وجهها عن غيره من الوجوه التي تحتملها وفقًا لتضاريسها ومُناخها وتركيبتها الجيولوجية وكلّ ما لفّ لفّ ذلك من عوامل مؤثّرة في الخليقة هنا وهناك...
لم تشذّ أرض الكبّارة عن هذه الحال إذ كانت ذات وجنات يدور عليها الحول تلو الحول فينبت على صفحتها نبتٌ كثير يصنّفه ساكنوها حسب منبته وفصله والحاجة إليه .. قد تُجدب الأرض متى كانت السّماء ضِنّينًا أمّا متى أمرعت فإنّ لمطرها فعلاً سحريّا تنهض له البُذور من سُباتها فينبت على أديمها إضافةً إلى شجر بساتينها الصّامد وشجر جبلها وتلّها المقاوم لجفافها القاسي رفيق العجاج اللاهي في فِجاجها إذ لا عساليج تعوقه وتمنعه من العبث بتّربها فتنكفئ الأغصان على ذواتها تحمي بعض ما حبلت به من ثمر تُباهي به ويفخر به وبها أمل من بذلوا جهدا وأملا في فلاحتها...
علق اسم البلدة بنبتة عصيّة لا تنبت إلاّ بأعلى قمّة الكاف و تتخيّر لها مقامًا بين أعتى صخوره وتظلّ مع ذلك يانعة مخضوضلة لا تجفّفها الشّمس العنيدة ولا تبعثرها أو تقلها الرّيح العاتية فهي نبتٌ معتدّ بذاته ولا يُعوّل على غيره ليحميه..كما دارت أسماء بنات الأرض من الشجر على أسماء نساء الكبّارة فمنهم التفّاحة والزّيتونة والرمّانة ونحوها كما وُسمن باسم الزّهر ولوازمه فتجد: وردة ووريدة وزهرة وزهيرة وأزاهير وأزهار وزهور ونرجس وسوسن ونسرين وكاميليا وأرجوان ورندة وميسم وريحانة ولينة وبيلسان وتالا وجُلّنار وأريج وأسيمة وزينب وياسمين وما شابهها وكلّها من أجود أنواع الزّهر والنوّار وإن لم ينبت بأرضها فأسماؤه عالقة بزهرات بني آدم هناك...
تتلهّى النّساء النّشيطات في الحقول بقطف أعشاب لا يعرف شأوها إلاّ من طعمها ومن هؤلاء الخالة تفّاحة مرط التّيجاني وهي سيّدة غادرت الكُهولة مستقبلةً شيخوختها بعين راضية إنّ فقدها عينها لم يزدها بين الأجوار إلا توقيرًا وهي القيّمة على معالجة الولدان ونصح الحوامل وتهدئة الخواطر. تسعى بين النّاس بالحُسنى فيستجيبون رُغم عًنَتهم.. هي امرأة هيفاء وزوجها مربّط العضلات تتّخذ عصًا كالمنسأة متى مشت لتشرّد بها الكلاب الهارّة أو تنتهر الشياه والخرفان إن هم همّوا بشجر أو زرع تصرف صباحاتها وأمسياتها في رعي شياهها فللتّيجاني شؤون أخرى تصرفه عن ذلك.. كانت الخالة تفّاحة تتلهّى ككلّ نساء البلدة بقطف بعض الأعشاب المستملح أكلها نيئة بعد نفضها بعنف على الأفخاذ ثمّ مسحها بالأيادي لإزاحة ما يعلق بها من أترب وغبار ثمّ الصّعود بها إلى أفواه شبه درداء ذهب الزّمن بأسنانها وتفّاحة هذه خبيرة بالأعشاب والحشائش وترى رقيقها وريّانها النّابت بين جذوع السّدر أو أسطر صبّار الهندي لذيذا ولا يستوجب معالجة بالنار مثل التّالمة والتّيفاف والقرّيصة وعسلوج الأقحوان وقد سلتت أوراقه ونوّاره وسلخته فأضحى بهيّا شهيّا كلّما مضغته درّ ماءً وطعما محبّبًا أمّا القيز فمنبته الرّوابي والتّلال وتستدلّ عليه بورقاته الطّولية الحييّة وهي لا تغادر جبين الأرض إلاّ متى نمت لها نوّارة بيضاء وحيدة عطرة يعشقها النّحل . وعليها أن تحفر على جذعه وحين تقشره يكون كجمّارة طعمها سكّر..
وقد تصل يدها بين الفينة والأخرى إلى عشبة كرع دجاجة أو قريّن جدي أو الوزوازة كما يحلو لها في مقتبل الصّيف منافسة عنزها القرناء على حبّات نبق السّدر البنّية وقد وقعت أرضا وحفظت قشورها حُبيبات سكّرية كما تنافسها على حبّات الذّمخ وقد آلت خضرتها إلى حمرة تعبث قروصتها اللذيذة بالألسنة. وإن هي كانت محظوظة عثرت على بابوشة اتّخذها النّحل خزّانا للعسل او قد تعثر بين الصّخر على أجباح العسل البرّي فتُضرم دخانًا يطرد لذع النّحل لتؤوب هي سعيدة بعسله مُسيل لعاب الجياع...
وممّا يستساغ نيئا أيضا الكتّان والبوفريوة والتّوت والخرّوب والهندي والخيار والجلجلان والبسباس بأوراقه الألياف وجذعه الملفوف والكتّان.. ويعالج بعض النّبت وثمره بالطّبخ أو هو أفاويه لأطمعة ومنه حبة حلاوة والمردقوش والتّرنجية وعبّاد الشمس والهيل والفيجل والرّنج والبسباس العربي وشفاط عزوز والبليبشة والكزّ والتّرفاس والمعدنوس والكرافس والتّابل والكرمب والقنّارية والقناوية والبلعلع والفقّاع والتلّغودا والببّوش الحي والخُبّيزة والحارّة الصفّراء والخرشف واللّبسان والرّند والكُرّاث واليازول والقرفة والدرع والزقوقو والكليل والعرعار والدّباغ والزعفران والمرّوبيا والرّمث والضّرو والقضّوم والمر والصبر والشّب والحنتيتة والطفل وورق السّدر والكاليتوس.. وهو ذو تصريفات شتّى فبعضه غذاء نافع وبعضه دواء مفيد وآخر للتّطهّر والغسل...ولنا عَودات إلى بعض أطباقه ومستحضراته...
ومن النّبت ماهو علف للمواشي والدّواب ولا ينافسها فيه فم الإنسان نظرا لغلظه مثل : البرطم والحارّة البيضاء والقرفالة والسّيبانة والبُكّ والفصّة وبوقرعون والنّجم وذراع الصّيد والبُصّيلة والسِّلّة والدّقفت والشّيح والبِهما والسّيبوس والحلفاء والقزّاح والتّاسكرا والمرّيرة والبوحليبة وغيرها كثير...
وتنبت الأرض نبتا وتدرّ ثمرا زكيّا مثل الرّيحان والحبق والنّعناع والعطرشاء والفليّو والزّوزة والسّينوج والخردل والخُزامى والعفص والمحلب والدّاد والوشق...كما تنبت نبتا لا خير فيه ك: الدّرياس والحرمل والحنظل والصبّار البرّي والسكّوم والحرّيقة والدّفلى وما شابهها..
أمّا الحبوب فهي نعمة الله على الإنسان والحيوان ولعلّ أشهرها : القمح والشعير والفارينة والحنطة/القطانيا(المستورة) والأرز... أما البقول فهي صنوف وأشهرها بأرضنا : الفول والحمص والجلبانة والعدس واللّوبيا.. امّا الكاكاوية رديفة اللّوز فلها حكايات أخرى..
ومن بنات الأرض زهور تُليّن الطباع والمعشر وتعطّر الحدائق وتسعد لمرآها العيون وتنفرج لشذاها الأنوف ومنها: القرنفل والياسمين والفلّ والنّرجس والورد وشقائق النّعمان والنيلوفر ومسك الليل والزّنبق والتوليب والبنفسج والليلك والأوركيد وأذن الفأر والكاميليا...ونحوها
لكم من الغذاء ألذّه ومن الحشائش أنفعها ومن الزّهور أشذاها ومن الصحّة أسلمها ومن العمر أطوله...
Reactions

تعليقات