القائمة الرئيسية

الصفحات

رسائل من المنقى - عزيز الزروال


بالكاد يخرج ورقة تبللت بالدم والعرق، وبأصابع مرتعشة يكتب؛
إليك أمي
داخل هذا الجحيم الأرضي اختلطت رائحة البارود والدم والخيانة والصراخ والأنين، لم أعد أفرق بين صديق وعدو كلهم يصرخون كلهم يبحثون عن أشلائهم المتناثرة هنا وهناك، الرصاص ينطلق مسرعا غير مميز بين عدو وصديق...
الدخان يغطي الساحة وكل شبر من هذا الفضاء الملعون، طلقات المدافع متواصلة دون توقف، يدي لم تعد تقوى على الضغط على الزناد بالكاد تخط بعض الحروف التائهة، توسدت بندقيتي، إلى جانبي جندي لم أميز ملامحه من كثرة الدم على وجهه وبالجهة الأخرى من الحفرة بقايا جنود وأجساد بلا أعضاء لأول مرة أرى رأسا مقطوعة تبتسم أظنها تسائلني عن المعركة ؟ عن النهاية عن المنتصر ؟ وعن حقها في الغنائم ؟ لم استطع أن أخبره يا أمي أنهم تراجعوا بأوامر عليا...
لقد سقط الجدار وسقطت معه ألوف الدمعات والأرواح كان بإمكاني أن أصرخ بهم يا أمي واخبرهم ان هذه الأرض المشتعلة لا تصلح للحياة، خذوها واتركونا أرجوكم اتركونا حتى نواصل الحياة...رأيت في عيون بعض جنودهم شرارة تلعن القدر تلعن الحرب تلعن كل من يتحرك، كيف رموا بهم إلى هنا ؟ كيف أقنعوهم بحمل السلاح ؟ وقطع هذه المسافات الضوئية من أجل اللاشيء...لكن خشيت أن يتهموني بالخيانة وببيع الوطن...
أمي سمعت جنديا منزوع اليدين والرجلين يبكي صارخا " أسماء أسماء..." يتوسل بعينين ذابلتين، لأول مرة أرى في عيون العدو الحياة والأمل... اقتربت نعم فعلت يا أمي زحفت إليه قال لي بصوت متحسر: " إنها كانت كالملاك أرجوك احمل قطعتي المعدنية هذه وابعثها لها وأخبرها أنني كنت هنا لأجلها ليس لأجلهم...
لم أقوى على إخباره أن الرصاص اخترق رئتي ولن أعيش طويلا. المهم أنني استمعت إلى كلامه ونام نومته الأخيرة بين يدي...
أمي، قد يبعثون لك برسالة من القيادة يخبرونك أنك أم الشهيد لا تصدقيهم...فقد نسونا هناك كما تنسى الذبائح المريضة خارج المسلخ...
Reactions

تعليقات