القائمة الرئيسية

الصفحات

قتلوا زبراء

كم انا وحدي؟
هكذا صرخ في لوعة مكتومة...لم يكن قادرا على تحمل حالة الضيق التي يشعر بها. الاحساس بالوحدة..القلق و الخوف الذي يأكل صدره شل قدرته على الحركة... لا يعرف لكل ذلك سببا معقولا..افكار و هواجس تسلطت على عقله..ورغم محاولاته العديدة للتخلص منها لم يستطع..انها تأكله من الداخل و تلتهم كل شعور بالفرح. مشاعر الخوف من خطر قادم..مشاعر بتفاهة الاشياء من حوله..يجد نفسه مدفوعا دفعا الى التصرف بشكل متكرر مؤديا حركات مضطربة لا تعني شيئا..: يفتح باب الغرفة ثم يغلقه بعناية ثم يعود مرة اخرى لأداء نفس الحركات مدفوعا بخوف من خطر داهم...و كم يشتد ذعره عندما يرن جرس هاتفه..ينقض عليه بشكل مفاجئ و غريب وكأنه ينتظر خبرا خطيرا... و تظل التساؤلات تأكل رأسه : مالذي سيحدث غدا؟ ...
الان و هو يطوف بساحة الغرفة ينفث دخان سيجارته الالف في سماء الغرفة المغلقة..تبدو له الاشياء غريبة..لقد وضعت بشكل مستفز...يجب تغيير نظامها و ترتيبها من جديد..يجلس على حافة سريره و قد شعر بالرغبة في وضع حد لحياته..
لا شيء يوقف نزيف الرغبة في النهاية. الضيق و القلق و الشعور بمرارة العيش بلا رغبة و بلا أمل في السعادة. توضع الاشياء محنطة امامه كدواليب قديمة تسستفز القلب..لقد اوغل الصدأ في اعماقه و ردم كل رغبة في العيش..احس كما لم يحس من قبل بأنه لم يعد مركز ذاته ..لقد انقلبت الادوار ..اصبح سجين نظرة الاخرين التي تسحقه ..تشيئه ..لذلك لم يعد يحتملها..يخشى الظهور امامها. يجد نفسه مندفعا الى تكرار افعال تافهة لا طعم لها و لا رائحة..عله يحظى بشفاء للضيق...
لا يشعر بالجوع و لا بالعطش..لا رغبة لديه حتى في تغيير ملابسه..يشتد به الضيق ان اضطر الى دخول بيت الخلاء..انه لا يرغب بشيء. هذه اشياءه ملقاة هنا و هناك..ينظر اليها باستخفاف من تجرد من شعور المسؤولية. احساس غريب يرج اعماقه : اللامبالاة...لم

يعد يكترث لشيء ..انه لا يرغب و لا يرغب. فقد صلته نهائيا بالعالم.
فتح باب الغرفة..ليواجهه
ضوء الشمس الباهت..فرك عينيه ليحملق في الاشياء ..االكائنات تتحرك منذ الصباح البشر و المواشي و الطيور....هي نفسها تؤدي نفس الحركات و تصدر نفس الاصوات..انتبه قليلا لصوت صخب أت من بعيد..تسمر ليسمع ..انه صخب في اعماقه هو...صرخ : كم انا وحدي
يعود الى مكانه الى حافة السرير...الان و قد اوصد من جديد باب الغرفة ..تأخذه رغبة في الاستلقاء ..انه متعب ..لا يستطيع الاغفاء دون ان يسمع صوت الصراخ الاتي من اعماقه..يتصبب جبينه عرقا...يلقي بنفسه على الفراش متهالكا : الخطر قادم بعد حين..لكن لم يات الى الان... هل يخرج ليواجهه ..ليس عزما على المواجهة..بل يستعجل القضاء ليستريح. انتفض فجأة و قد بلغ الذعر منه ذروته...اندفع الى باب الغرفة يفتحه. .. في الخارج صمت رهيب..اختفت الموجودات ..شارع فارغ من البشر..و القطط و الكلاب..صحراء قاحلة ..حتى صوت الريح لم يعد له وجود..المحلات مغلقة..اوراق الاشجار اختفت..لم يبق من الاشجار سوى اغصان سوداء باهتة شاحبة.... صمت رهيب يخيم على الكائنات..الصرا
خ المرعب الاتي من اعماقه لم يتوقف. سار في ما يشبه المكان ..مكان ليس هو المكان ذو الابعاد الثلاث...يشعر انه يمد خطاه في اللامكان..مهزوزا الى ما يشبه الثقب الاسود الملتوي...و يظل الصراخ في اعماقه يدفعه الى الهروب..اختفى فضاء الناس ..الوجود لم يعد كما هو..امام ناظريه..انه موطن اخر غريب ..بلا افق . ..استدار من الهلع ليعود الى الغرفة...اختفت فجأة ..لم ير غير سراب ..لكنه سراب مظلم كالح...التف حوله ضباب اسود كثيف ..احس براحة غريبة..انه لا يشعر بشيء..اختفت من حوله الاشياء...لقد طغى عليه الشعور بأنه لا ينتمي لمكان ..لا يتحدد بزمن...تلاشى كل شيء ..يشعر الان بأنه يغوص في هوة عميقة لا قاع لها...لقد تكسر الجليد البارد الذي كان يلفه. ..لينفذ الى افق اخر..عمق جديد لا يستوعبه العقل..لا يصدق انه يرتحل خارج المكان و الزمان..يشعر بأنه منقاد عبر دوامة غريبة الى الداخل..يغوص في سرعة مجنونة في باطن ما....ما كان يدركه يقينا انه لم يعد هنا في العالم. انه يهوي عبر شلال من السيول الى قعر مظلم.
و هو يهوي ترتسم حوله خيالات مضيئة.....صور وجوه لم يرها من قبل...لاحت له وهو يغوص في الموج الهادر بعض اشباح ماضي حياته..لقد راى نفسه طفلا تحمله والدته على ظهرها ... راى شبح والده يحمل العصا مطاردا كلبا يهاجم دجاجات..راى صورته رضيا بين احضان امه ..جدته تلاعبه...تناثرت
كل الصور و ابتلعها الموج.... تحسس ما حوله فلم ير شيئا و لم تلمس يداه غير الفراغ...لعله الجنون او الموت؟ ما زال عقله واع و كل احاسيسه متيقظة..لقد طغى عليه الشعور بان دوامة ما ..هوة ما تبتلعه الى غير قرار...قفزت الى ذهنه فكرة غريبة : انه يرحل في الذاكرة..انه يعود الى البدايات الاولى ..لحظات التشكل الاولى لوجوده.
فتح ينيه تدريجيا و قد اشرقت الشمس ..ليجد نفسه ملقى في صحراء قاحلة..اصوات تصرخ بلغة مبهمة..صهيل خيول و نباح كلاب ....لاحت امام ناظريه خيام منصوبة ..و رجال مدججون بالسيوف و الدروع..يحيطون به من كل مكان....
اقترب منه من بدا له انه قائد القبيلة ..يتفرسه في استغراب..ثم التفت الى الفرسان : اقتربوا و انظروا هاهي المعجزة..عاد ابني" مضر " رجلا ..اتذكرون لوعتي عندما اختطفه القحطانيون مني رضيعا.؟؟ تقدم الرجال ليعاينوا المعجزة : يا سيد بكر انه نسخة منك ..لا نميز بينكما...
تعالت زغاريد النساء في مضارب بكر..و تحلق الرجال حول الجسد العاري الملقى على الرمال الحارقة ..احتضن سيد بكر ابنه العائد في حرقة و شوق..وغطاه بلحاف ابيض ..
خطب الشيخ في قومه الذين تحلقوا حوله محتفلين : يا بني بكر يا بني ربيعة..انا كليب بن ربيعة ..سيد القيسيين ..لقد منت الالهة علي بعودة فلذة كبدي مضر..انحروا ما طاب لكم من الخرفان و الابل..و اسقوا الرجال و الغلمان خمرا...و صلوا شكرا للالهة...هلل كل من في المضارب فرحا للبشرى..لقد عاد ابن سيدهم الى الحياة بعد ان فقدت القبيلة الامل في استرجاعه.. فتح عينيه محملقا في من حوله و قد اشتد به الشعور بالغرابة : لكنه رغم كل كان يشعر بأنه في ارضه و بين اهله..ارتسمت على محياه ابتسامة سخرية و هو يتساءل بينه و بين نفسه : لماذا يهلل القوم لعودة ابن سيدهم ؟ مالذي سيغيره في حياتهم؟ انهم لا يفعلون شيئا سوى ان يهللوا لامل ليس أملهم هم..انه أمل سيدهم و حلمه وحده...لا حلمهم هم.. هكذا في كل مجتمعات الخوف لا تكون الجماعة الا في خدمة حلم السيد الفرد القوي ...لم يكن كليب بن ربيعة سوى السيد الذي يخضع كل افراد الجماعة لحلمه هو...مضر هو حلم كليب وليس حلم بكر ...
صاح كليب : منذ لحظة عودة ابني مضر سنعلنها حربا ضد القحطانيين ..سننتقم من ظلم زهير بن جناب..سيتولى مضر الثأر لجوعكم و نهب خيراتكم ..لا خوف بعد الان..مضر سيقودكم الى النصر..
أمر كليب رجاله بان يحملوا ابنه مضر الى احدى الخيام .. للراحة و الاستمتاع..كل من في القبيلة يجب ان يكون في خدمة ابن شيخ القبيلة....
فتح عينيه بعد نوم طويل ليجد نفسه ملقى على فراش ناعم وثير في خيمة يزينها الحرير ..رفع رأسه الى حيث تقف جارية وسط الخيمة....كانت فتاة شقراء زرقاء العينين..تشع منهما فتنة لا يقاومها الرجال..شعرها الذهبي المتدلي .كشجرة وارفة .تثير رغبة المتعب في ان يستظل تحتها ..
اقتربت منه في استحياء : هل يأمرني سيدي بشيء..انا طوع بنانك...سألها : انت لست عربية ؟؟ قالت بعربية عدنانية : انا فارسية لم اعرف اهلي منذ احضروني سبية صغيرة...عشت بين احضان عشيرة بكر..لا اعرف غيرها..افرح لفرحها و احزن لحزنها...سألها ان كانت تود الرجوع الى أهلها؟ قالت : لا اعرف لي اهلا غير بكر...فانا عربية عدنانية فأهلي لم يبحثوا عني. كانت نبراتها توحي بالالم الساكن في صدرها..انها ككل افراد عشيرة بكر تخشى المستقبل...حيات
ها مثل حياتهم سجينة الشعور بالخطر..خطر الجوع و العطش..خطر الموت في كل غارة من غارات الاعداء...
سالها فجأة : رأيت الكل هنا في المضارب يتحدثون عن حرب وشيكة..من يتهددكم ؟ قالت في خوف ظاهر : ارض نجد منذ احضروني سبية هي ارض قتال بين الاخوة . قبائل الجنوب القحطانيين يحكمون السيطرة على ارض قيس العدنانية ..
بالامس لم يمهل زهير بن جناب سيدي كليب : اما الخراج او يمنع عن بكر المرعى و الماء...الكل هنا ينتظر اياما سوداء..قالت ذلك ووضعت يدها على فمها و قد تفطنت الى انها حدثت بما لا ينبغي ان يقال في حضرة مالكها...استدرك
ت قائلة : نحن فداء سيدي و مولاي...ضحك مضر و اشار اليها أن تهدأ : لا تخشي شيئا يا ....... قالت جاريتك زبراء ..قال مواصلا حديثه : زبراء انت خاىفة لانك قلت ما ينبغي ان يقال ..لا احد يجرؤ هنا على ان يحتج على وضع الخوف و الرهبة..الكل يجب ان يموت من اجل فرد واحد...رأيت الرجال يهللون للقتال..لا يهتمون بمن سيموت.
سيدي ..بماذا تأمرني؟ قالتها و قد اسبلت عينيها . اسند ظهره الى الوسادة متهالكا ...سيدي مالذي تشعر به ..هل ادلكك لتتعافى من التعب؟ وضع يده على كتفها و مررها في لطف على خصلات شعرها الذهبي : لا تستطيعين..انا مرهق من الداخل..: وضعت شفتيها على يده و كأنها تختبر ردة فعله..كان باردا كقطعة جليد..: ماذا اصابك سيدي ؟ ألا اعجبك ؟ نظر اليها بعينين ذابلتين : بلى..انت رائعة..
انتصبت زبراء واقفة و اقتربت منه..: مالذي يستهويك..هل أتعرى ؟ جذبها من يدها داعيا اياها الى الجلوس : اريدك ان تحدثيني ..نظرت اليه في ذهول : انا خادمتك افعل بي ما تريد ..مهمتي ان أشبع رغبتك في الاستمتاع. كلفني سيدي كليب ان أسعدك. وضع يده على شعرها ثم مررها على خديها في حنان ..احس برعدة تسري في بدنها..ارتعاشة خفية . لقد احست و لاول مرة بانها تنتمي الى سلالة البشر. غمرها الشعور بالمعنى. لقد تعودت ان تلعب دوما دور الانثى الخاضعة التي تشبع شهوة الفرسان. يركبونها كما تركب الفرس. لا تنام الا قليلا لانها في كل لحظة تنتظر راكبا مخمورا يهديها اياه سيدها . تقتل او تعذب لو شكت مرضا او تعبا..الان تواجه وضعا جديدا لم تعهده..انها امام رجل يهبها الشعور بانسانيتها. ..همست في وجوم : سيدي لماذا لا تفعل ما يفعله الرجال؟ لاحت على وجهه ابتسامة..ضمها اليه في حنان لم تتعوده ..اغمضت عينيها ثم فتحتهما لتتأكد بانها لا تحلم. طوقته بذراعيها....شعر
ت بانها غادرت الارض .شعور جارف بالسعادة غمر كل كيانها..: سيدي مضر انت لست من البشر!! شعر بانها ترغبه بكل كيانها..و كانها اصبحت انثى للتو بعد ان قضت عمرها كله مجرد شيء من الاشياء التي يستمتع بها الاسياد. انها ترغبه بكل جوارحا .انها لأول مرة تعانق رجلا بلا خوف من الموت او التعذيب. اسلم نفسه لها رغم البرود ليهبها شعورا بالسعادة لم تعرفه من قبل. .تصببت عرقا ..تاوهت ..غرزت باسنانها في كامل انحاء جسده...لكنه ظل باردا كصقيع ليل بارد. صرخت : سيدي ...لماذا تخذلني؟ اقتلني ..افعل بي ما تشاء. ضمها الى صدره..: استمتعي انت ..انت رائعة فقط اعذريني فانا متعب..اراد لها ان تشعر بان اللذة يجب ان تصدر عن القلب قبل الجسد . انفجرت بالبكاء..مسح دموعها : انت جميلة سنستمتع فيما بعد .كوني على ثقة بأنك انسانة رائعة يا زبراء....
مسحت زبراء دموعها..وضمت مضر الى صدرها في لهفة .سمع دقات قلبها تتسارع من الوجد : سأعود في الليلة القادمة... لملمت دموعها ثم انصرفت .
اصوات جلبةو ضجيج و صهيل خيول خارج الخيمة تقطع الصمت المخيم في الصباح. يطل مضر برأسه من باب الخيمة فيواجهه منظر القحط في المضارب. حركة غير عادية في المضارب. يدخل كليب خيمة مضر و معه بعض فرسان القبيلة ..يستقبله مضر بالاحضان . يشعر بدقات قلب والده كانها تهاتفه منذ الازل..
هل نمت جيدا يا بني؟ انتظر منك يا مضر ان تحدثني كيف اعادوك بعد اربعين سنة؟ يضطرب مضر ولا يعرف كيف يجيب : فيردد بينه و بين نفسه : بل اعادوني بعد مئات السنين. اكتفى مضر بالصمت ..بينما ظل كليب يردد ليسمعه الفرسان: انها حيل زهير بن جناب..انه دهاء اهل الجنوب . لقد بلغهم عزمنا على مقاتلتهم . اريدكم ان تكرموا وفادة رسول ملك الحبشة..سيرسل الينا العتاد و المدد .ثم لا يلبث ان يوجه كلامه الى مضر : يا ولدي لقد الى قلبي الامل في النصر..اريدك بدءا من اللحظة ان تتدرب للقتال ..انت من سيقود بكر الى استرجاع كرامتها المسلوبة..انت من ارسلتك السماء لتكون عونا لأبيك ..لقد اذاقونا الويل..حرمونا من العيش..انتفض مضر في غضب مفاجئ : ماذا يفعل رسول ملك الحبشة في مضاربنا؟ هل تستقوي بالاعادي ضد بنيمومتنا ؟ تسمر كليب في مكانه غير مصدق ما يسمعه من ابنه ..نظر الفرسان الى بعضهم البض في ذهول..صدمتهم كلمات مضر ..هذا الذي وضعوا فيه املهم في النصر ..انه يخذلهم. قطع كليب الصمت الرهيب الذي خيم على الخيمة : مالذي تقوله يا مضر..اهل الحبشة سينصروننا و انت تخذلنا!!!
كانت نظرات الريبة و الشك في عيون كليب و فرسانه تنهشه و تأكل قلبه.. صرخ مضت ر : كيف لك يا ابي ان تقاتل بني عمومتنا بسيوف الاعداء..هل ينصرنا ملك الحبشة لسواد اعيننا؟؟؟ قاطعه كليب غاضبا : مالذي تقوله يا ولدي ..هؤلاء من تقول ععنهم بني عمومتناا اذاقونا الامرين..جوعونا
نهبوا ارزاقنا استعبدوا ابناءنا و قطعوا عنا الماء و الكلأ..الزمونا بدفع الخراج بقوة السلاح...لقد حان الوقت للثأر... لقد فهم مضر بان قضية والده ليست قضية القبيلة بل قضيته الشخصية التي يريد اان تدافع عنها بكر باسرها....رغبته في السلطة و القيادة ..كان مضر على وعي تام بان الحرب القائئمة بين عرب الشمال و عرب الجنوب انما حشر فيها الاخوة حشرا..وان رغبة التسلط و التفرد بالحكم لدى زهير و كليب هي التي اشعلت الحرب. انها حرب اقحمت فيها الجماعة بقوة الخوف و الرعب...صرخ مضر في وجه ابيه: انها حربك انت و اهدافك انت و رغباتك انت ..تدفع بالناس دفعا الى حرب لا يحبونها...حتى ولو كلفك ذلك ان تستعين بالعدو الحبشي. ينقض كليب على مضر و يضع سيفه على رقبته : اذن لقد ارسلوك ايها الخائن لتتزرع فتنتك في القبيلة.. لقد انكشف امرك.. ثم و بنبرة الاب النصوح : يا ولدي مازال عودك طريا لم تختبر الحياة..الناس هنا اذا استسلموا لاوهامك يموتون ..لا معنى لحياتهم الا اذا ركبوا الخطر. حياتنا لا امن فيها و لا سلام. يجب ان نركب الموت لكي نعيش...عليك ان تستريح الان..ان كانوا قد ارسلوك للغدر باهلك..فاعلم انهم اختطفوك رضيعا بعد ان قتلوا اعمامك و اخوالك...عليك ان تثأر لنفسك اولا.
غادر كليب و فرسانه خيمة مضر..القى بنفسه على الفراش و قد اشتد به الضيق والشعور بالخوف. الخوف من الاتي ..خوف يسكنه منذ الازل..يمتزج باحلام باهتة لا افق لها و لا مدى..كم يشتاق في هذه اللحظة الى زبراء ليستعيد شعوره بالامان..خرج من باب الخيمة و قد اظلمت الدنيا . انتشر الحراس في كل الزوايا..و في كل ركن. العيون التي تحرس القبيلة لا يمكنها ان تغفو. احلام الناس مدفونة في صدورهم لا يظهرونها خوفا من غضب شيخ القبيلة.. كل حلم في ان يمتلكوا انفسهم ابتلعته مخاوف قديمة من غضب الالهة العنيدة و رغبات اعيان القبيلة. انهم يستسلمون في هذا الليل الطويل لنوم تسكنه كوابيس مظلمة... الحراس وحدهم من يملكون مفاتيح الحياة و الموت. كل خروج عن السرب جريمة عقوبتها الموت...على الجميع ان يطيع او ان يندثر.
ترى اين زبراء..؟ مشاعل النار في كل المضارب تعكس قحط الصحراء الممتدة امام البصر..فجأة تنطلق صرخة امراة تتالم تفزع لها القلوب و يهز صداها كل المضارب...صدى الصرخة تصطك لها الاذان...اطلت الرؤوس من الخيام فزعا..فخطب ما يحدث في مكان ما في القبيلة. جرى الحراس والنساء و الشيوخ و الاطفال.... جرى الجميع في اتجاه مصدر الصراخ..
تجمهر الناس امام خيمة رسول ملك الحبشة.... لما وصل مضر الى باب الخيمة كان الصراخ قد توقف..اقتحم باب الخيمة ليصدمه مشهد مرعب لم يكن ليتوقعه.زبراء و قد تدفقت من جسدها الغض سيول الدماء ..قتلها الوحش الكاسر..بعد ان منعته من اكل لحمها ..لقد رفضت ان تلعب دور الجارية. قتلها عندما شعر انها حرة في داخلها ..لم يستطع ان ينال منها ..صدته بكل قوتها..غرس فيها انيابه القذرة..قتلها الوحش لانها اكتشفت في داخلها رغبة في ان تكون ذاتها ..سدد لها الطعنات.تشفيا و انتقاما...لم تقبل زبراء ان تكون عطية سيد القبيلة..لقد تجرأت ان تخرج عن طوع السيد الحبشي ..صرخ مضر الما : زبراء انا قتلتك عندما فتحت لك الطريق نحو انسانيتك. انت الاقوى ...الصراخ يصدع الافاق..الضباب يلف المكان..يشعر انه يرحل في دوامة سحيقة تاخذه خارج الزمان و المكان...لقد ماتت زبراء..سيعود ليروي قصتها للذين استسلموا لقدر الصمت و الخضوع. الخوف من الاتي لن ينجلي...ما دمنا لم نثأر لزبراء.
Reactions

تعليقات