القائمة الرئيسية

الصفحات


ما أشبه صباح الجمعة الحزين ذاك حادثة الرّضع بصباح السبت هذا الأشدّ حزنا حادثة الكادحات، المشهد يتكرّر..و المأساة تتكرّر..و الفاجعة تتكرّر.
في صباح مظلم لم تشرق الشّمس في أفقه رحلن كادحات وطني.. رحلن من يشكّلن الأصول و الجذور و لكنّهنّ الأكثر فقرا و الأقلّ دخلا.. رحلن من يغذّين العالم و بهنّ يفتك الجوع.
رحلن كادحات وطني في صباح حزين و ما أقساه من صباح..فما عدنا في وطني نقول صباح الخير بل صرنا نردّد صباح الألم.. صباح الوجع.. صباح القهر..صباح الغصّة..صباح النّواح..صباح الموت.. صباح الدّماء.. هذا هو الصّباح في وطني كلّ يوم.
وطني،ماذا سأكتب اليوم في صباحك الحزين و الأقلام جفّت..ماذا سأكتب اليوم في صباحك الباكي و الحروف عجزت..وطني الجريح كيف أبكيك؟ وطني الجريح كيف أعزّيك؟ وطني الجريح كيف أنوحك؟ كيف و كيف..؟و قد أبيدت عَبراتي و أبيد صراخي لمّا غزتك الفاجعة..فاجعة الصّباح الحزين..فاجعة كادحة وطني في الدّماء تتخبّط.
لروحك السّلام أيّتها المناضلة الشّامخة كالنّخلة في الفيافي.
لروحك السّلام أيّتها الشّريفة في وطن الطّغاة.
لروحك السّلام يا من تغرسين الأشجار و تسقينها بعرق جبينك المتصبّب قطرات قطرات.
أشعر بضيق يقتحم فؤادي و عجز يخنقني كلّما رأيت ذاك المشهد كلّ فجر؛الشّاحنات تملأ صناديقها نساء تماما كصناديق الأسماك.
كادحة وطني..رحلت في صباح حزين قبل أن تودّعينا..رحلت فجأة و تركت الأفئدة تنزف لموتك الأليم.
أخي..أختي..ابني..ابنتي..بالأمس كنتم أغنياء رغم فقركم و اليوم أصبحتم أكثر فقرا لمّا صرتم أيتاما و ما أمرّ اليتم..! فما أشبهكم اليوم بذاك القميص الذي مُزّق أشلاء إذ قيل "الصّغير بلا أم كِيف القميص بلا كمّ"
أيا بني..
أراك تقبع هناك منذ ساعات طويلة و اللّيل قد جنّ و الكرى ألقى رداءه عد إلى البيت ماخطبك؟
أجهش بالبكاء و قال:" أنتظر أمي حتى تعود من عملها الشّاق فاليوم تأخرت كثيرا و أنا جوعان.طأطأت رأسي و لم أهمس بحرف..أحسست بعجز اقتحم فؤادي..تعثٌرت في خطواتي...ربّطت على كتفه و ضممته إلى صدري...ربّاه..كيف سأخبره أنّ أمّه رحلت و لن تعود؟
أيا بني..
عد إلى البيت لا فائدة من الانتظار.. أمّك..كادحة وطني رحلت و لن تعود.
تعجّب و قال..ماذا تقصدين؟
أتقصدين أنّنا صرنا أيتاما و تلك الأم الكادحة التي تُشبع جوعنا و تأوي خوفنا و تسامرنا ليالي الشّتاء الباردة غادرتنا للأبد..؟
أتقصدين أنّ حضن الأمّ الدّافئ الذي ينسينا مرارة الحياة و قسوتها..الذي ينسينا تعب المسافات البعيدة عن المدرسة..الذي ينسينا صفير بطوننا الجائعة غادرنا للأبد..؟
أتقصدين من تعدّ لنا المآكل و تطبخها..و من تغسل ثيابنا..و تحمل الأثقال و تشتغل السّاعات الطّوال بأجر زهيد لا يتجاوز بضع الدّينارات غادرتنا للأبد؟
أيا بني..
أجل،اليوم غادرنا جسدها الهزيل الذي يحمل المسحاة فجرا ليهوي بها على الجذوع..غادرتنا روحها المنهكة التي أضناها تعب الأيّام..غادرنا وجهها الشّاحب الذي أرهقه وجع الأعوام.
أجل،اليوم غادرتنا زارعة الحقول..غادرتنا جانية الثّمار..غادرتنا معمّرة الدّيار..غادرتنا صانعة الأغطية..غادرتنا مربّية الأجيال.
رحلت للأبد من تستيقظ باكرا و قد غالب حماسها الصّقيع.
كادحة وطني اليوم نامت للأبد و الحال أنّها كانت تسبق الفجر قبل انبلاجه.
كادحة وطني باغتتها المنيّة صبيحة اليوم بين مفترق الطّرق.
كادحة وطني..أرى بعض السّاسة بل طغاة الوطن يصولون و يجولون و في بيتك الذي تداعت جدرانه جالسون..لماذا أتوا و ماذا سيفعلون هؤلاء اليوم في عزائك..؟
طبعا..سيشربون الشاي و القهوة و يتحدّثون عن مناصب الرئاسة..و ربّما يتساءلون ماذا حدث و من مات؟
ما عدنا ننتمي إلى تونس الخضراء بل ننتمي إلى تونس الحمراء التي تغرق كلّ يوم في الدّماء.
كادحة وطني لروحك السّلام.
Reactions

تعليقات