القائمة الرئيسية

الصفحات


عرفتُ أنها مختلفة منذ البداية..
هناك شيء شدّني إليها لم أعرف كنهه..
ربما ذكاؤها و مرحها و تلقائيتها ..
ربما الرقة التي استوحيتها بين ثنايا كلماتها..
لم يهمّني جمال شكلها رغم أني تساءلت كثيرا كيف كانت تبدو..
و كنت أعرف أنها كائن جميل من الخارج كما الداخل..
فلا يمكن لجمال هذه الروح إلا أن ينعكس على صورة صاحبته..
كانت قوية جدا و تعشق التحدي ..
و تحدتني و دخلت عالمي كموجة مد كاسحة بضحكاتها و بملء حيويتها..
بتُّ أسهر منتظرا متشوقا لسماع حكاياتها التي لا تنتهي..
كانت شهرزادي التي فتحت عالما من السحر أمامي.. 
تقاسمنا الشعر و النثر و الموسيقى..
تناولنا القصائد الفاخرة على العشاء..
تلحفنا بدثار من النجوم ..
تهامسنا أشواقنا خفية عن رصد الوشاة.. 
كانت سكّرة حلوة جدا في كوب قهوتي التي فاضت مرارتها..
كانت شهرزاد حكايتي أنا..
و كنت بطل أحلامها..
أركبتني صهيل الجياد لأعانق الشمس ..
سلّحتني بدعواتها الطاهرة..
عندما كانت تدعو لي كنت أحس أن أبواب السماء تفتح لي..
و أن الملائكة النورانية تحرسني ..
كانت هي ملاكي الحارس..
كانت تحبني ، تحبني ، تحبني..
حتى ينهكني التخيل و الأمل..
كنت ألفظ آلامي على بابها..
و كانت تبتسم قائلة لي أنت أقوى من كل شيء ..
لولا أنك شامخ كالجبل لما كنت تحمل على كتفيك كل هذه المحن..
كنت أشعر أني أقوى بها و معها..
أحببتها كما لم أعرف الحب من قبل..
أدمنتها كإدمان القهوة المرة التي حلتها سكرتي.. 
أ تعرفون ذلك السكر المشاغب الذي يرفض أن يذوب في قعر المرارة..
و يترك حلاوة حارقة على اللسان عندما تنطق اسمها..
كانت تلك حلواي المفضلة ..
عسل من شهد لا خلية له..
عسل يقطر كلمات من النور عندما تناديني لتوقظني من نوم تكون فيه زائرتي..
عسل تحول فجأة إلى علقم أتجرع مرارة حلاوته مع الحلم..
علمتني أن السعادة يمكن أن تتحول في لحظات إلى أكبر المآسي..
نعم أسعدتني ، أبهجتني ، حلقت بي وراء حدود المكان..
و لكنها في لمح البصر سحبت بساط السعادة السحري من تحت قدمي..
كان سقوطا حرا ، فظيعا ، سريعا ، خاطفا..
لم أشعر بالدماء التي انسحبت من عروقي..
لماذا فعلت بي هذا يا سكرتي؟؟
لماذا خلطت البن بدموعك الساخنة؟؟
لا تبكي .. لا تذرفي الدمع و لا تحرقي صدري بزفراتك..
و تساءلتُ كيف يتكون الملح في عينين من السكر ؟؟ 
لم أكن أبدا رجلا ضعيفا أو خنوعا..
و كنت أستقبل الحياة بحلوها و مرها بصدر مفتوح..
لا أعترف بالهزيمة ..
كنت دائما أحقق أحلامي..
إلا حلمي بها ..
تعــــذر، تعسّــــر، تبعثر، تبخـــّر، تفجّـــر..
عندما قلت لها أما آن الوقت لتُطلّي علي من خلف جدارك؟؟
هاتي يدك و تعالي ، نكن معا إلى نهاية الحكاية..
و سرعان ما تراجعت شهرزاد حكايتي و تباعدت ..
لا يدها و لا حتى طرف لحظها تراءى من خلف الجدار..
كانت تحب العيش في السماء مع الملائكة ..
و أنا كنت ملاكها على الأرض..
و لكنها توارت تحت الأرض بعيدا عن الملائكة..
سكنها الخوف من و من و من ..
كانت تخشى أن يكون وضع السكر في القهوة من أعمال الشياطين .. 
هربت ثم عادت ثم هربت ثم عادت..
أما أنا فكنت أغضب و أزمجر هادرا كالبحر..
أختفي لأنسى فلا أنسى ..
يأكلني الشوق إليها فأتتبع خطاها من بعيد..
أحلف أني لن أخاطبها مجددا ..
ثم تناديني ..
يلتهم صوتها الدافئ الغضب من بركاني..
فأحنث و أعووووود.. أعود لأطير في سماء لا تحوي سوانا..
تخبرني كيف يسرق الشوق النوم من جفونها..
و كيف ترسم أناملها صورة وجهي كل ليلة على وسادتها..
تخبرني عن الدموع التي كانت تغني لفيروز ‘ ‘ حبيتك تنسيت النوم’’
و تغرقني حبا و شوقا و عشقا حتى أثمل فأتــساقط كأوراق الخريف..
فأطلب قربا لأطفئ لظى صحرائي..
فيغيض ماؤها الزلال ...
و أشرف على مقعد وحيد أجالس قهوتي المرة..
بلا سكرتي التي ترفض أن تذوب ... 
تعوّدت عليها و تعوّدت عليّ ..
أصبح مذاق القهوة ناقصا عندما لا تشرفني خيالاتها على طاولتي..
و أصبحت تشاركني المقعد و القهوة و المرارة ..
ربما تسربت المرارة إلى حلاوتها عبر قهوتي ..
تقهقرت ضحكاتها التي كانت طويــــــــــــــــــــــلة ،مليئة بالفرح..
و أصبحت لقاءاتنا مصادفات وجع و عتاب ..
و أصبح الغضب و التذمر رفاق طاولتنا ..
أختفي أو تختفي ..
نسدل الستائر على نوافذ القلب خوفا من نداءات القمر..
و لكن النور ينجح دائما في التسلل من بين ضلوعنا ..
و يصرخ الشوق في عروقي :
دعوني أعبر إلى يديها..
دعوني أجمع الورد من حديقة أنفاسها ..
دعوني أقطف السكر عن قصب جيدها ..
فقهوتي لا تروق لي بدون سكرتي ..
كنا كبحّــارين على سفينة لم تعرف الرسوّ على أي شاطئ ..
رياح الغيرة و الحيرة و البعد تعصف بنا ..
لكن حبال الشّوق صلبة لا تفلت أشرعة الهوى بيننا ..
أنهكنا الأرق و شقّـق ملح المستحيل قلبينا ..
و لكنها تعود إليّ كحورية أوديسيوس ..
تغازلني بصوتها السحري ..
تناديني ، تداعبني ، تنوّمني ، تشاغبني ..
فــأوجّه دفّتي صوب صوتها العجيب ..
و ألهث لهفة لأصل إليها ..
أمدّ يدي فلا أمسك شيئا غير سراب سكر..


Reactions

تعليقات